والمعنى (١): أنّ هذا الكتاب لا يعتريه ريب في كونه من عند الله، ولا في هدايته وإرشاده، ولا في أسلوبه وبلاغته، فلا يستطيع أحد أن يأتي بكلام يقرب منه بلاغة وفصاحة. وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾. وارتياب كثير من الناس فيه؛ إنّما نشأ عن جهل بحقيقته، أو عن عمى بصيرتهم، أو عن التعنّت عنادا، واستكبارا، واتباعا للهوى، أو تقليدا لسواهم.
والهاء (٢) المتصلة بفي من ﴿فِيهِ﴾: ضمير غائب مذكر مفرد، وقد يوصل بياء، وهي قراءة ابن كثير، وحكم هذه الهاء بالنسبة إلى الحركة، والإسكان، والاختلاس، والإشباع في كتب النحو. والوقف (٣) على ﴿فِيهِ﴾ هو المشهور، وقد روي عن نافع، وعاصم، الوقف على ﴿لا رَيْبَ﴾. قال في «الكشاف»: ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا، ونظيره قوله تعالى: ﴿قالُوا لا ضَيْرَ﴾، وقول العرب: لا بأس. وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز، والتقدير: لا ريب فيه. فيه هدى.
﴿هُدىً﴾؛ أي: هو رشد وبيان ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: (٤) للضالّين المشارفين التقوى الصائرين إليها. ومثله حديث «من قتل قتيلا فله سلبه»، وقال أبو السعود في «الإرشاد» ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: للمتصفين بالتقوى حالا، أو مآلا. وتخصيص الهدى بهم؛ لما أنّهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بآثاره، وإن كان ذلك شاملا لكلّ ناظر من مؤمن وكافر. والهداية: عبارة عن الدلالة. وقيل: دلالة بلطف.
وقيل: هو هاد لا ريب في هدايته للمتقين. قال في «التيسير»: وكذلك يقال في كلّ من انتفع بشيء دون غيره: إنه لك على الخصوص؛ أي: المنتفع به وحدك.
وليس في كون بعض الناس لم يهتدوا به ما يخرجه من أن يكون هدى، فالشمس

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon