والميزان، والجزاء، والجنة والنار. هم يوقنون؛ أي: (١) يعلمون علما قطعيا مزيحا لما كان عليه أهل الكتاب من الشكوك والأوهام التي من جملتها: زعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا أو نصارى، وأنّ النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا؟ وهل هو دائم أو لا؟ فقال فرقة منهم: يجري حالهم في التلذذ بالمطاعم، والمشارب، والمناكح على حسب مجراها في الدنيا، وقال آخرون: إنّ ذلك إنّما احتيج إليه في هذه الدار من أجل نماء الأجسام، ولمكان التوالد والتناسل، وأهل الجنة مستغنون عنه، فلا يتلذذون إلا بالنسيم، والأرواح العبقة، والسماع اللذيذ، والفرح والسرور. وفي بناء ﴿يُوقِنُونَ﴾ على الضمير تعريض بمن عداهم من أهل الكتاب، وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، فإنّ اعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة، فضلا من الوصول إلى مرتبة اليقين. فدل التقديم على التخصيص، بأن إيقان من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، مقصور على الآخرة الحقيقية لا يتجاوز إلا ما أثبته الكفار بالإقرار من أهل الكتاب.
واليقين (٢): هو التصديق الجازم الذي لا شبهة فيه ولا تردد، ويعرف اليقين بالله واليوم الآخر بآثاره في الأعمال، فمن يشهد الزور، أو يشرب الخمر، أو يأكل حقوق الناس يكن إيمانه بهما خيالا يلوح في الذهن لا إيمانا يقوم على اليقين، إذ لم يظهر آثاره في الجوارح واللسان، وهو لا يكون إيمانا حقّا إلّا إذا كان مالكا لزمام النفس مصرّفا لها في أعمالها.
والإيمان على الوجه الصحيح يحصل من أحد طريقين:
١ - البحث والتأمّل فيما يحتاج إلى ذلك، كالعلم بوجود الله سبحانه ورسالة الرسل.
(٢) المراغي.