زيدا مختصم أخوه وابن عمّه. وقيل: ﴿سَواءٌ﴾ خبر مقدم للمصدر المنسبك من الجملة التي بعده من غير سابك لإصلاح المعنى، وخبر إنّ جملة قوله: ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ الآتية، وجملة ﴿سَواءٌ﴾ معترضة بين اسم إنّ وخبرها. وصحّ على هذا القول الابتداء بالفعل والإخبار عنه بسواء؛ هجرا لجانب اللفظ إلى جانب المعنى، كأنّه قيل: إنذارك إياهم وعدمه سواء، كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أي: سماعك به خير من رؤيته.
وأصل الإنذار: الإعلام بأمر مخوف، وكلّ منذر معلم، وليس كلّ معلم منذرا، كما في «تفسير أبي الليث»، والمراد ههنا: التخويف من عذاب الله وعقابه على المعاصي، وإنّما اقتصر على الإنذار دون التبشير؛ لمّا أنّهم ليسوا بأهل للبشارة أصلا؛ ولأنّ الإنذار أوقع في القلوب، وأشدّ تأثيرا في النفوس، فإنّ دفع المضار أهمّ من جلب المنافع، فحيث لم يتأثّروا به فلأن لا يرفعوا للبشارة رأسا أولى.
فإن قلت: لم حذف الواو هنا، وأثبت في (يس) حيث قال فيها: ﴿وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾؟
قلت: لأنّ (ما) هنا جملة هي خبر عن اسم إنّ، و (ما) هناك جملة عطفت على أخرى، فبينهما فرق. وإنما لم يقل: (سواء عليك)، كما قال لعبدة الأوثان: ﴿سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ﴾، لأنّ إنذارك، وترك إنذارك ليسا سواء في حقّك؛ لأنّك تثاب على الإنذار وإن لم يؤمنوا، وأمّا في حقّهم فهما سواء في عدم الإفادة؛ لأنّهم لا يؤمنون في الحالين، وهو نظير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإنّه يثاب به الآمر وإن لم يمتثل المأمور. وكان هؤلاء القوم، كقوم هود عليه السلام حيث قالوا له: ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ﴾.
وقوله: ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ جملة مستقلّة على الوجه الأول، مؤكدة لما قبلها، مبيّنة لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء، فلا محلّ لها من الإعراب، أي: موضحة لتساوي الإنذار وعدمه في حقّهم لا في حقّه صلّى الله عليه وسلّم، ولا في حقّ الدّعاة إلى دينه، إذ هم يدعون كلّ كافر إلى الدين الحقّ، لا فرق بين المستعدّ للإيمان وغير


الصفحة التالية
Icon