أخبر عنهم بأنّهم لا يؤمنون، وأمرهم بالإيمان، فلو آمنوا انقلب خبره كذبا، وشمل إيمانهم الإيمان بأنّهم لا يؤمنون، فيجتمع الضدّان، والحقّ أنّ التكليف بالممتنع لذاته وإن جاز عقلا من حيث إنّ الأحكام لا تستدعي غرضا سيّما الامتثال، لكنه غير واقع للاستقراء والإخبار بوقوع الشيء، أو عدمه لا ينفي القدرة عليه، كإخباره سبحانه عمّا يفعله هو أو العبد باختياره، فلا يلزم جواز تكليف ما لا يطاق.
وقال صاحب اللوامح (١): قرأ الجحدريّ ﴿سَواءٌ﴾ بتخفيف الهمزة على لغة الحجاز، فيجوز أنّه أخلص الواو، ويجوز أنّه جعل الهمزة بين بين، وهو أن يكون بين الهمزة والواو، وفي كلا الوجهين لا بدّ من دخول النقص فيما قبل الهمزة المليّنة من المدّ. انتهى.
فعلى هذا: يكون ﴿سَواءٌ﴾ ليس لامه ياء، بل واوا، فيكون من باب قواء.
وعن الخليل: ﴿سوء عليهم﴾ بضمّ السين مع واو بعدها مكان الألف، مثل ﴿دائرة السوء﴾ على قراءة من ضمّ السين، وفي ذلك عدول عن معنى المساواة إلى معنى القبح والسّبّ، ولا يكون على هذه القراءة له تعلّق إعراب بالجملة بعدها، بل يبقى قوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ إخبارا بانتفاء إيمانهم على تقدير إنذارك، وعدم إنذارك، وأمّا سواء الواقع في الاستثناء في قولهم: (قاموا سواك) بمعنى: قاموا غيرك، فهو موافق لهذا في اللفظ مخالف في المعنى، فهو من باب المشترك، وله أحكام ذكرت في باب الاستثناء.
وقوله: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ فيه خمس قراءات سبعيّة (٢):
الأولى: تحقيق الهمزتين مع إدخال ألف؛ أي: مدّ طبيعيّ بينهما.
والثانية: تحقيق بلا إدخال ألف بينهما.

(١) البحر المحيط.
(٢) صاوي بتصرف.


الصفحة التالية
Icon