﴿عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ وطبع عليها، وطمس (١) نور بصيرتهم بحيث لا تعي خبرا ولا تفهمه، فلا يدخل فيها نور، ولا يشرق فيها إيمان. وذلك أنّ القلوب إذا كثرت عليها الذنوب طمست نور البصيرة فيها، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص. والمراد بالختم هنا: عدم وصول الحقّ إلى قلوبهم، وعدم نفوذه واستقراره فيها. وهذه الجملة مستأنفة مسوقة؛ لتعليل ما سبق من الحكم، وهو عدم إيمانهم.
وأصل الختم (٢): التغطية، وحقيقته: الاستيثاق من الشيء؛ لكي لا يخرج منه ما حصل فيه، ولا يدخله ما خرج منه. ومنه: ختم الكتاب ولا ختم في الحقيقة، وإنما المراد به: أن يحدث في نفوسهم هيئة تمرّنهم على استحباب الكفر والمعاصي، واستقباح الإيمان والطاعات، بسبب غيّهم، وانهماكهم في التقليد، وإعراضهم عن النظر الصحيح، فتجعل قلوبهم بحيث لا يؤثر فيها الإنذار، ولا ينفذ إليها الحقّ أصلا. وسمّى هذه الهيئة: ختما على سبيل الاستعارة، فالمراد بالقلب هنا: محلّ القوة العاقلة من الفؤاد. وقد يطلق ويراد به: المعرفة والعقل، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ﴾. والمراد (٣) بالقلب هنا: جسم لطيف قائم بالقلب اللحمانيّ، الصنوبري الشكل، قيام العرض بمحله، أو قيام الحرارة بالفحم، وهذا القلب: هو الذي يحصل به الإدراك، وترتسم فيه العلوم والمعارف، وهو العقل، بخلاف القلب الذي بمعنى اللحمة الصنوبرية الشكل، فإنّها للبهائم والأموات.
﴿وَ﴾ ختم الله ﴿عَلى سَمْعِهِمْ﴾ وآذانهم؛ أي: أصمّ مواضع سمعهم، فجعلها بحيث تعاف استماع الحقّ، ولا تصغي إلى خير، ولا تعيه، ولا تقبله. والختم عقوبة لهم على سوء اختيارهم، وميلهم إلى الباطل، وإيثارهم إياه. والسمع هو: إدراك القوة السامعة، وقد يطلق عليها وعلى العضو الحامل لها،

(١) عمدة التفاسير.
(٢) روح البيان.
(٣) العمدة.


الصفحة التالية
Icon