آخره ﴿وَلا﴾ هي ﴿بِكْرٌ﴾؛ أي: فتية صغيرة، ولم يؤنّث البكر والفارض؛ لأنهما كالحائض في الاختصاص بالأنثى، والفارض المسنة التي لا تلد، والبكر الفتيّة التي لم تلد ﴿عَوانٌ﴾؛ أي: وسط نصف ﴿بَيْنَ ذلِكَ﴾ المذكور من الفارض والبكر ﴿فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ﴾ به من ذبح البقرة تعرفوا القاتل، ولا تكثروا السؤال فيشدّد عليكم، وحذف الجار قد شاع في هذا الفعل، حتى لحق بالأفعال المتعدية إلى مفعولين، فأبوا عن الانتهاء فـ ﴿قالُوا﴾ تعنتا منهم لموسى، وهذا مستأنف أيضا، كأنه قيل: ماذا صنعوا بعد هذا البيان الثاني والأمر المكرر، فقيل:
٦٩ - قالوا: ﴿ادْعُ لَنا رَبَّكَ﴾؛ أي: سل لنا ربك ما لونها؟ أهي سوداء أم صفراء أم حمراء؟ ﴿يُبَيِّنْ لَنا﴾ جواب ﴿ما لَوْنُها﴾ من الألوان حتى تتبين لنا البقرة المأمور بها، واللون عرض مشاهد يتعاقب على بعض الجواهر.
﴿قالَ﴾ موسى عليه السلام، بعد المناجاة إلى الله تعالى ومجيء البيان منه تعالى ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَقُولُ إِنَّها﴾؛ أي: إن البقرة التي أمرتكم بذبحها ﴿بَقَرَةٌ صَفْراءُ﴾ والصفرة لون بين البياض والسواد وهي الصفرة المعروفة، وليس المراد بها هنا السواد، كما في قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)﴾؛ أي: سود، والتعبير عن السواد بالصفرة؛ لما أنها من مقدماته؛ وإما لأن سواد الإبل يعلوه صفرة ﴿فاقِعٌ لَوْنُها﴾؛ أي: صافية صفرتها لم يخالطها لون آخر، وهو مبتدأ وخبر، والجملة صفة ثانية لبقرة، والفقوع نصوع الصفرة وخلوصها. يقال في التأكيد: أصفر فاقع، كما يقال: أسود حالك. وفي إسناده إلى اللون مع كونه من أحوال اللون؛ لملابسته به ما لا يخفى من فضل التأكيد، كأنه قيل: صفراء شديدة الصفرة صفرتها، كما في جد جده، وجنونك جنون. قيل: كانت صفراء الكل حتى القرن والظلف ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ إليها وتبهجّهم، أي: تعجبهم لحسن صورتها، ومنظرها، وهيئتها، وشدة صفرتها لغرابتها وخروجها عن المعتاد، والمعنى: يعجبهم حسنها، وصفاء لونها، ويفرّح قلوبهم لتمام خلقتها، ولطافة قرونها وأظلافها، والسرور: لذّة في القلب عند حصول نفع أو توقعه، وعن علي - رضي الله عنه - (من لبس نعلا صفراء قلّ همّه)؛ لأن الله تعالى قال: ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ ونهى ابن الزبير، ومحمد بن كثير عن لباس النعال السود؛ لأنها تهمّ. وذكر أنّ الخفّ الأحمر خفّ فرعون، والخفّ