وتخفونه، وتسترونه من أمر القتل لا يتركه مكتوما مستورا. جملة معترضة بين المعطوف عليه وهو قوله: ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ وبين المعطوف وهو قوله:
٧٣ - ﴿فَقُلْنا﴾ لموسى ﴿اضْرِبُوهُ﴾؛ أي: اضربوا هذا القتيل، والضمير راجع إلى النفس بمعنى القتيل، أو بمعنى الشخص، أو بمعنى الإنسان ﴿بِبَعْضِها﴾؛ أي: ببعض البقرة أيّ بعض كان؛ أي: بعضو من أعضائها. قيل: بلسانها؛ لأنه آلة الكلام، أو بعجب الذنب؛ لأنه أوّل ما يخلق وآخر ما يبلى، ويركّب عليه الخلق. وقيل: بفخذها الأيمن. وقيل: غير ذلك من الأعضاء، والبعض أقلّ من النصف، وفي الكلام حذف، تقديره: فضربوه ببعضها، فقام القتيل حيا بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دما، فقال: قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه، فقتل قاتله، فحرم ميراثه الذي استعجله؛ لأن من استعجل بالشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. وفي الحديث: «ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة» ثمّ إنّ موسى عليه السلام، أمرهم بضربه ببعضها وما ضربه بنفسه؛ نفيا للتهمة، كيلا ينسب إلى السحر، أو الحيلة. والخطاب في قوله: ﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك الإحياء العجيب ﴿يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى﴾ يوم القيامة لمنكري البعث في زمنه صلّى الله عليه وسلّم، والحاضرين عند نزول الآية الكريمة، فلا حاجة إلى تقدير القول، كما في القول الآتي، بل تنتهي الحكاية عند قوله: فـ ﴿اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها﴾ وقيل: الخطاب للحاضرين عند حياة القتيل، والكلام حينئذ على تقدير القول؛ أي: فضربوه فحيي وقلنا كذلك. إلخ؛ أي: كما أحيا الله سبحانه هذا القتيل بعد موته في الدنيا يحيي الله الموتى في الآخرة من غير احتياج إلى آلة.
فإن قلت: إن بني إسرائيل كانوا مقرين بالبعث، فما معنى إلزامهم بقوله: ﴿كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى﴾؟.
قلت: كانوا مقرين قولا وتقليدا، فثبته عيانا وإيقانا، وهو كقول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾.
﴿وَيُرِيكُمْ﴾ أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أو أيها الحاضرون حياة القتيل ﴿آياتِهِ﴾؛ أي: دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير، ويجعلكم مبصرين براهين قدرته وتوحيده، وإحيائه للموتى عند البعث، وصدق رسله ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾؛ أي: لكي تعلموا وتفهموا قدرة الله، وأن محمدا محقّ صادق،


الصفحة التالية
Icon