أي: مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء، وأضاف اسم الفاعل إلى الظرف؛ إجراء له مجرى المفعول به على الاتّساع، كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار.
والمعنى: مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء، فإضافة اليوم إلى الدين لأدنى ملابسة، كإضافة سائر الظروف إلى ما وقع فيها من الحوادث؛ كيوم الأحزاب، ويوم الفتح، وتخصيصه؛ إمّا لتعظيمه وتهويله، أو لبيان تفرّده بإجراء الأمر فيه، وانقطاع العلائق بين الملّاك والأملاك حينئذ بالكلّية، ففي ذلك اليوم لا يكون مالك، ولا قاض، ولا مجاز غيره تعالى. وأصل الملك والملك: الربط، والشدّة، والقوّة، فلله في الحقيقة؛ القوّة الكاملة، والولاية النافذة، والحكم الجاري، والتصرّف الماضي، وهو للعباد مجاز، إذ لملكهم بداية ونهاية، وعلى البعض لا على الكلّ، وعلى الجسم لا العرض، وعلى النّفس لا النّفس، وعلى الظاهر لا الباطن، وعلى
الحيّ لا الميّت، بخلاف المعبود الحقّ، إذ ليس لملكه زوال، ولا لملكه انتقال.
وقال في «تفسير الإرشاد»: قرأ أهل الحرمين المحترمين ﴿مَلْكِ﴾ من الملك: الذي هو عبارة عن السلطان القاهر، والاستيلاء الباهر، والغلبة التامّة، والقدرة على التصرف الكلّي في أمور العامّة بالأمر والنهي، وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين. انتهى. ولكلّ قراءة وجوه ترّجحها كما ذكرنا سابقا.
ويحكى عن أبي عبد الله، محمد بن شجاع الثّلجيّ - رحمه الله تعالى - أنّه قال: كان من عادتي قراءة ﴿مالك﴾، فسمعت من بعض الأدباء أنّ ﴿ملك﴾ أبلغ، فتركت عادتي وقرأت ﴿مَلِك﴾، فرأيت في المنام قائلا يقول: لم نقصت من حسناتك عشرا، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ القرآن كتب له بكلّ حرف عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفعت له عشر درجات»؟.
فانتبهت فلم أترك عادتي حتى رأيت ثانيا في المنام أنّه قيل لي: لم لا تترك هذه العادة، أما سمعت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا القرآن فخما مفخّما»؛ أي: عظيما معظّما. فأتيت قطربا، وكان إماما في اللغة، فسألته ما بين المالك والملك من الفرق؟ فقال: بينهما فرق كثير، أمّا المالك: فهو الذي ملك شيئا من الدنيا، وأما


الصفحة التالية
Icon