الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}. فنحن نحضر الدواء مثلا؛ لشفاء المرضى، ونجلب السلاح والكراع، ونكثر الجند؛ لغلب العدوّ، ونضع في الأرض السماد، ونرويها ونقتلع منها الحشائش الضارّة؛ للخصب وتكثير الغلّة.
وفيما وراء ذلك مما حجب عنّا من الأسباب: يجب أن نفوّض أمره إلى الله تعالى، فنستعين به وحده، ونفزع إليه في شفاء مريضنا، ونصرنا على عدونا، ورفع الجوائح السماوية والأرضية عن مزارعنا، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه، وهو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا، كما قال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، وأرشد إلى أنّه قريب منّا، يسمع دعاءنا، كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.
وفي ذكر الاستعانة بالله: إرشاد للإنسان إلى أنّه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب، فمن ترك الكسب فقد خالف الفطرة، ونبذ هدي الشريعة، وأصبح مذموما مدحورا لا متوكلا محمودا، وكذلك فيها إيماء إلى أنّ الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، وحسن التدبير، وتقليب الأمور على وجوهها، لا يستغني عن العون الإلهيّ، واللطف الخفي.
والاستعانة (١) بهذا المعنى ترادف التوكّل على الله، وهي من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى، وبها يكون المرء مع الله عبدا خاضعا مخبتا، ومع الناس حرّا كريما لا سلطان لأحد عليه لا حيّ ولا ميّت، وفي هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء، والدجّالين المخرّفين، وإطلاق العزائم من قيود الأفاكين الكاذبين.
إيّا (٢): تلحقه ياء المتكلم، وكاف المخاطب، وهاء الغائب، وفروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف، خلافا لزاعمه، وهل الضمير

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon