وكرر ﴿إِيَّاكَ﴾ ليكون كلّ من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين، وكلّ منهما مقصودة، وللتنصيص على طلب العون منه، بخلاف ما لو قال: إيّاك نعبد ونستعين، فإنّه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب العون؛ أي: وليطلب العون من غير أن يعيّن ممن يطلب منه، وفي قوله: ﴿نَعْبُدُ﴾ قالوا: ردّ على الجبرية، وفي ﴿نَسْتَعِينُ﴾ ردّ على القدرية، وقالوا: في قوله: ﴿إِيَّاكَ﴾ ردّ على الدهرية، والمعطلة، والمنكرين لوجود الصانع، فإنه خطاب لموجود حاضر، والله أعلم بأسرار كتابه.
٦ - ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، أي: أرشدنا إلى الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه، الذي هو دين الإسلام، وثبتنا على المنهاج الواضح الذي رضيته لنا، وهذا بيان للمعونة المطلوبة أوّلا، فكأنّه قال: كيف أعينكم؟ فقالوا: اهدنا.
وإفراد لما هو المقصود الأعظم الذي هو الهداية وهي الدلالة بلطف.
والمراد زدنا هداية إليه، أو أدمنا مهديّين إليه، وإلا فنحن مهديّون بحمد الله تعالى. وفي «السمين»: وأصل هدى أن يتعدّى إلى الأول بنفسه، وإلى الثاني بحرف الجرّ، وهو إمّا إلى أو اللام، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، ثمّ قد يتّبع فيه، فيحذف الحرف فيتعدى للثاني بنفسه، كما هنا، فأصل ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ﴾: اهدنا للصراط، أو إلى الصراط، ثم حذف الحرف ووصل الفعل إلى المفعول بنفسه، ووزن اهد: إفع، حذفت لامه وهي الياء؛ حملا للأمر على المضارع المجزوم، والمجزوم تحذف لامه إذا كان حرف علّة. والهداية: الإرشاد، والدلالة، والتبيين، كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ أي: بيّنا لهم، والإلهام: كقوله: ﴿الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾؛ أي: ألهمه لمصالحه، والدعاء: كقوله: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾؛ أي:
داع. وقال الراغب: الهداية دلالة بلطف، ومنه: الهديّة؛ لأنّها تمال من مالك إلى مالك. والصراط: الطريق المستهل، وبعضهم لا يقيده بالمستهل، ومنه قول جرير:



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوجّ الموارد مستقيم