قال في «التيسير» (١): ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لإظهار التوحيد، ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لطلب العون عليه، اهْدِنَا لسؤال الثبات على دينه، وهو تحقيق عبادته واستعانته؛ وذلك لأنّ الثبات على الهداية أهمّ الحاجات، إذ هو الذي سأله الأنبياء والأولياء، كما قال يوسف عليه السلام: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا، وسحرة فرعون: ﴿وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ﴾، والصحابة: ﴿وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ﴾؛ وذلك لأنه لا ينبغي أن يعتمد على ظاهر الحال، فقد يتغيّر في المآل كما لإبليس، وبرصيصا، وبلعم بن باعورا. اه.
٧ - ﴿صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ بدل (٢) من الصراط، بدل كلّ من كلّ، فهو على نيّة تكرار العامل، وفائدته: التأكيد والإشعار بأنّ الصراط المستقيم هو صراط هؤلاء الذين أنعمت عليهم. ويجوز أن يكون عطف بيان، وفائدته الإيضاح.
والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في (سورة النساء)، حيث قال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾، وأطلق الإنعام؛ ليشمل كلّ إنعام.
والمعنى: أي أرشدنا إلى صراط الأقوام الذين مننت عليهم بالهداية، وأكرمتهم بالتوفيق. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: هم قوم موسى وعيسى الذين لم يغيّروا ولم يبدّلوا. وقيل: هم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وأهل بيته.
وقرىء (٣): ﴿صراط من أنعمت عليهم﴾. والإنعام: إيصال النعمة، وهي في الأصل الحالة التي يستلذّها الإنسان، فأطلقت لما يستلذه من النعمة، وهي اللين. ونعم الله، وإن كانت لا تحصى كما قال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾، تنحصر في جنسين دنيوي وأخروي. والأول قسمان: موهبيّ وكسبيّ.

(١) عمدة التفاسير.
(٢) البيضاوي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon