وقيل: إنّه ثبت باجتهاد الصحابة. وقال السيوطي - رحمه الله تعالى في «التحبير»: اختلف: هل ترتيب الآي والسور على النظم الذي هو الآن عليه، بتوقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو باجتهاد من الصحابة؟ فذهب قوم إلى الثاني، واختار مكي وغيره: أنّ ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وترتيب السور منه لا باجتهاد الصحابة. والمختار: أنّ الكلّ من النبي صلّى الله عليه وسلّم. اه. وعلى كلّ من القولين: فأسماء السور في المصاحف لم يثبتها الصحابة في مصاحفهم؛ وإنّما هو شيء ابتدعه الحجاج، كما ابتدع إثبات الأعشار، والأسباع، كما ذكره الخطيب. فإثبات أسماء السور ظاهر، كما فعل المفسرون، وإثبات الأعشار بأن جزّأ الحجاج القرآن عشرة أجزاء، وكتب عند أول عشر بهامش المصحف عشر بضمّ العين، وكذلك كتب الأسباع، فآخر السبع الأول: الدالّ من قوله في النساء: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾، وآخر السبع الثاني: التاء من قوله في الأعراف: ﴿أولئك حَبِطَتْ﴾، وآخر الثالث: الألف من أكلها في قوله في الرعد: ﴿أُكُلُها دائِمٌ﴾، وآخر الرابع: الألف من جعلنا في قوله في الحج ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكًا﴾، وآخر الخامس: التاء من قوله في الأحزاب: ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ﴾، وآخر السادس: الواو من قوله في الفتح: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾، وآخر السابع: ما بقي من القرآن، كما ذكره القرطبي.
وذكر القرطبي أيضا: أنّ الحجاج كان يقرأ كلّ ليلة ربعا، فأوّل ربعه: خاتمة الأنعام، والربع الثاني: في الكهف ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾، والربع الثالث: خاتمة الزمر، والربع الرابع: ما بقي من القرآن، وقيل غير ذلك.
وقال السيوطي في «التحبير» ما نصّه: وكون أسماء السور توقيفية؛ إنّما هو بالنسبة إلى الاسم الذي تذكر به السورة، وتشتهر به، وإلّا فقد سمّى جماعة من الصحابة والتابعين سورا بأسماء من عندهم، كما سمّى حذيفة التوبة بالفاضحة، وسورة العذاب، وسمّى خالد بن معدان البقرة: فسطاط القرآن، وسمّى سفيان بن عيينة سورة الفاتحة: الوافية، وسمّاها يحيى بن كثير الكافية؛ لأنّها تكفي عمّا عداها.
ومن السور ما له اسمان فأكثر، فالفاتحة تسمّى أمّ القرآن، وأمّ الكتاب،


الصفحة التالية
Icon