الإيمان المطلق قوة وكمالا، قيل: والمراد بزيادة الإيمان: هو زيادة انشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات. وقيل: المراد بزيادة الإيمان: زيادة العمل؛ لأنّ الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، والآيات المتكاثرة، والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان». ففي هذا الحديث دليل على أنّ الإيمان فيه أعلى وأدنى، وإذا كان كذلك.. كان قابلا للزيادة والنقص، ويروى أن عليا المرتضى قال: لو كشف عني الحجاب ما ازددت يقينا، والعلم التفصيلي في الإيمان أقوى من العلم الإجمالي، فمن آمن بأن لله علما محيطا بالمعلومات، وحكمة قام بها نظام الأرض والسموات، ورحمة وسعت جميع المخلوقات، ويعلم ذلك علما إجماليا، ولو سألته أنّ يبين لك شواهده في الخلق.. لعجز، لا يوزن إيمانه إيمان صاحب العلم التفصيلي بسنن الله في الكائنات في كل نوع من أنواع المخلوقات، ولا سيما في العصور الحديثة، التي اتسعت فيها معارف البشر بهذه السنن، فعرفوا منها ما لم يكن يخطر عشر معشاره لأحد من العلماء في القرون الخوالي، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: في وصف ﴿الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ﴾ في غزوة أحد ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)﴾، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيمانًا مَعَ إِيمانِهِمْ﴾.
والثالثة: ما ذكره بقوله: ﴿وَعَلى رَبِّهِمْ﴾ ومالك أمرهم لا على غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾؛ أي: يعتمدون بالكلية، وينقطعون بالكلية عما سوى الله تعالى؛ أي: إنّهم يتوكلون على ربهم وحده، لا يفوضون أمرهم إلى غيره، فمن كان موقنا بأن الله هو المدبر لأموره وأمور العالم كله.. لا يمكن منه أن يكل شيئا منها إلى غيره، فلا يعتمد على مال، ولا على عمل، ولا يخاف من غيره.
واعلم: أن هذه الخصال الثلاث - أعني الوجل عند ذكر الله، وزيادة