﴿كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ﴾؛ أي: يجادلونك في الحق حالة كونهم لشدة ما بهم من جزع ورهب، يساقون بعنف وشدة وقهر إلى موت محقق لا مهرب منه، لوجود أماراته وأسبابه، حتى كأنّهم ينظرون إليه بأعينهم، إذ ما بين حالهم وحال عدوهم، من التفاوت في القوة والعدد، والخيل والزاد، قاض بذلك، ولكن الله تعالى وعد رسوله والمؤمنين بالظفر والنصر عليهم ووعده لا يتخلف.
وأما هذه الأسباب العادية فكثيرا ما تتخلف: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ الذي بيده كل شيء، وهو القادر على كل شيء، وهكذا أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين، وكان لهم الظفر والفوز على عدوهم، وكان هذا نصرا مؤزرا للمسلمين على المشركين، وبه علا ذكرهم في البلاد العربية، وهابهم قاصيها ودانيها.
٧ - ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾؛ أي: واذكروا أيها المؤمنون قصة إذ وعدكم الله تعالى الظفر بإحدى الطائفتين العير والنفير ﴿أَنَّها لَكُمْ﴾؛ أي: أن تلك الإحدى تكون وتحصل لكم وتتسلطون وتتصرفون فيها ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾؛ أي: والحال أنّكم تتمنون وتحبون كون الطائفة غير صاحب الشوكة والقوة، وحصولها لكم - وهي العير - لضعفها وقلة عددها؛ لأنّه لم يكن فيها إلا أربعون فارسا، وعبر عنها بذلك تعريضا لكراهتهم للقتال، وطمعهم في المال، والمعنى: تمنون أنّ العير التي ليس فيها قتال ولا سلاح ولا شوكة تكون لكم، والشوكة: الشدة والقوة ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى بوعده غير ما أردتم ﴿أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ﴾ الذي أراده ويظهره، وهو نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ﴿بِكَلِماتِهِ﴾؛ أي: بآياته المنزلة على رسوله في محاربة ذات الشوكة، أو بما أمر به الملائكة من نزولهم للنصرة، أو بما قضى به من أسر المشركين وقتلهم وطرحهم في قليب - بئر - بدر، أو بأمره إياكم بالقتال، وقيل: بعداته التي سبقت لكم من إظهار الدين وإعزازه، وقيل: كلماته هي ما وعد نبيه في سورة الدخان، فقال: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)﴾ أي من أبي جهل وأصحابه ﴿وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ﴾؛ أي: ويهلك أصل الكافرين من أولهم إلى آخرهم،