السؤال الثاني: الحق حق لذاته، والباطل باطل لذاته، فما المراد بتحقيق الحق، وإبطال الباطل؟
والجواب: أنّ المراد من تحقيق الحق: إظهار كون ذلك الحق حقا، والمراد من إبطال الباطل: إظهار كون ذلك الباطل باطلا، وذلك بإظهار دلائل الحق، وتقويته، وقمع رؤساء الباطل وقهرهم.
وقرأ مسلمة بن محارب (١): ﴿يعدكم﴾ بسكون الدال لتوالي الحركات، وابن محيصن ﴿اللَّهُ إِحْدَى﴾: بإسقاط همزة إحدى على غير قياس، وعنه أيضا أحد على التذكير، إذ تأنيث الطائفة مجاز، وأدغم أبو عمرو ﴿الشَّوْكَةِ تَكُونُ﴾ وقرأ مسلم بن محارب ﴿بكلمته﴾ بالإفراد، وحكاها ابن عطية عن شيبة وأبي جعفر ونافع، بخلاف عنهم، وأطلق المفرد مرادا به الجمع للعلم به، أو أريد به كلمة تكوين الأشياء وهو: كن.
٩ - وقوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ ظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكروا أيها المؤمنون قصة وقت استغاثتكم ربكم؛ أي: وقت طلبكم الغوث والنصر من ربكم قائلين: ربنا انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، والأمر بهذا الذكر لبيان نعمة الله عليهم حين التجائهم إليه، إذ ضاقت عليهم الحيل، وطلبوا مخلصا من تلك الشدة، فاستجاب دعاءهم كما قال: ﴿فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾؛ أي: فأجاب دعاءكم بأني ممدكم ومساعدكم فمعينكم ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾؛ أي: متتابعين؛ أي يردف بعضهم بعضا، ويتبعه؛ أي: يأتي بعضهم إثر بعض، وهذا (٢) الألف هم وجوههم وأعيانهم، وبهذا يطابق ما جاء في سورة آل عمران ﴿بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ﴾ و ﴿بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ وقيل (٣): يجمع بين ما هناك وهنا بأن الملائكة كانت ألفا في ابتداء الأمر، ثم صارت ثلاثة، ثم خمسة؛ أي: ثم صارت بعد الوعد بالألف ووقوع القتال بالفعل ومقاتلة الألف معهم صارت الألف بزيادة الله عليها ألفين ثلاثة آلاف، ثم صارت الثلاثة

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon