أي: واذكروا يا معشر المهاجرين ﴿إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ في العدد في أول الإسلام ﴿مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: مقهورون في أرض مكة ﴿تَخافُونَ﴾ من مبدأ الإسلام إلى حين الهجرة إذا خرجتم من البلد ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾؛ أي: أن يأخذكم مشركو العرب من قريش وغيرها، بسرعة لشدة عداوتهم لكم، ولقربهم منكم، والمراد أن ينتزعوكم بسرعة، فيفتكوا بكم كما كان يتخطف بعضهم بعضا في خارج الحرم، وتتخطفهم الأمم من أطراف جزيرتهم، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ ﴿فَآواكُمْ﴾ وضمكم أيها المهاجرون إلى الأنصار ونقلكم إلى المدينة فصرتم آمنين من كفار مكة، ﴿وَأَيَّدَكُمْ﴾ وإياهم؛ أي: قواكم ﴿بِنَصْرِهِ﴾ سبحانه وتعالى إياكم في بدر، وفي سائر غزواتكم، ويؤيدكم على من سواكم من فارس والروم، وغيرهما كما وعدكم بذلك في كتابه الكريم، ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾؛ أي: من الغنائم وغيرها، وكانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم العظيمة؛ أي: رجاء أن تشكروا هذه النعم وغيرها مما يؤتيكم من فضله كما وعد في كتابه ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ﴾ الآية.
قال كان هذا الحي أذل الناس ذلا، وأشقاه عبثا، وأجوعه بطونا، وأعراه جلودا وأبينه ضلالة معكوفين على رأس حجر بين فارس والروم، لا والله ما في بلادهم ما يحسدون عليه من عاش منهم عاش شقيا، ومن مات منهم ردي في النار يؤكلون ولا يأكلون، لا والله ما نعلم قبيلا من حاضر الأرض يومئذ كان أشر منهم منزلا حتى جاء الله بالإسلام، فمكن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من نعم الله عز وجل.
وفي الآية من العبرة التي يجب على المؤمنين أن يتذكروها أنه أورث من اهتدى بهديه سعادة الدنيا وبسطة السلطان، ومكن لأهله في الأرض، وأنالهم ما لم يكونوا يرجونه لولا هدى الدين، وأورثهم في الآخرة فوزا ورضوانا من ربهم وروحا، وريحانا، وجنة نعيم.


الصفحة التالية
Icon