هذا حين كانوا يعملون بهديه، فلما أعرضوا عنه، ونأوا بجانبهم، عاقبهم الله بما جرت به سننه في الأرض، فأضاعوا ملكهم، وسلط عليهم أعداءهم، فليعتبر المسلمون بما حل بهم، وليرجعوا إلى تاريخ أسلافهم، وليستضيؤوا بنورهم، وليتوبوا إلى رشدهم، لعله يعيد إليهم تراثهم الغابر، وعزهم الماضي ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
٢٧ - ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى (١) فتعطلوا فرائضه، أو تتعدوا حدوده، وتنتهكوا محارمه التي بينها لكم في كتابه، ﴿وَ﴾ لا تخونوا ﴿الرَّسُولَ﴾ محمدا صلى الله عليه وسلّم فترغبوا عن بيانه لكتابه إلى بيانه بأهوائكم، أو أراء مشايخكم، أو آبائكم، أو أوامر أمرائكم، أو ترك سنته إلى سنة آبائكم وزعمائكم زعما منكم أنهم أعلم بمراد الله ورسوله منكم، ﴿وَ﴾ لا ﴿تَخُونُوا أَماناتِكُمْ﴾ فيما بين بعضكم وبعض آخر منكم من المعاملات المالية، وغيرها حتى الشؤون الأدبية، والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة، ويكفي في العلم بكونه سرا قرينة قولية كقول محدثك: هل يسمعنا أحد، أو فعلية كالالتفات لرؤية من عساه يجيء، وآكد الأمانات السر وأحقها بالحفظ ما يكون بين الزوجين، كذلك لا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وبين أولي الأمر من شؤون سياسية أو حربية، فتطلعوا عليها عدوكم، وينتفع بها في الكيد لكم، وقرأ مجاهد ﴿أمانتكم﴾ بالإفراد، والمراد الجمع.
والخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين، قال أنس بن مالك: قلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا قال: «لا إيمان لمن لا عهد له» رواه الإمام أحمد.
وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم».