﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ إن قلت: كيف (١) قال: والله خير الماكرين؟ ولا خير في مكرهم؟
قلت: يحتمل أن يكون المراد: والله أقوى الماكرين، فوضع خير موضع أقوى، وفيه التنبيه على أن كل مكر يبطل بفعل الله. وقيل: يحتمل أن يكون المراد أن مكرهم فيه خير بزعمهم، فقال تعالى: في مقابلته؛ ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ وقيل: ليس المراد التفضيل بل إن فعل الله خير مطلقا اه. «خازن».
﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ والأساطير جمع أسطورة، كأراجيح جمع أرجوحة، وأحاديث جمع أحدوثة، وهي الأقاصيص والأخبار التي سطرت وكتبت في الكتب السالفة، بدون تمحيص ولا تثبت في صحتها، وفي «القاموس»: الأساطير الأحاديث لا نظام لها، واحدها: إسطار وإسطير، وأسطور وبالهاء في الكل، وأصل السطر الصف من الشيء، كالكتاب والشجر اه.
﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾ و ﴿المكاء﴾ (٢) مصدر مكا يمكو مكوا من باب عدا و ﴿مُكاءً﴾ أيضا إذا صفر، أي شبك أصابع إحدى كفيه بأصابع الأخرى، ويضمها وينفخ فيها، فيظهر من ذلك صوت، والمكاء بالضم كالبكاء والصراخ. وهمزة (٣) ﴿المكاء﴾ مبدلة من واو؛ لقولهم مكا يمكو كغزا يغزو، ﴿والتصدية﴾ فيها قولان:
أحدهما: أنه من الصدى: وهو ما يسمع من رجع الصوت في الأمكنة الخالية الصلبة، يقال: منه: صدى يصدى تصدية، والمراد بها هنا ما يسمع من صوت التصفيق، والضرب بإحدى الكفين على الأخرى، وفي التفاسير: أن المشركين كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي ويتلو القرآن صفقوا بأيديهم، وصفروا بأفواههم، ليشغلوا عنه من يسمعه ويخلو عليه قراءته، وهذا مناسب لقوله: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾، وقيل: مأخوذ من التصدد والضجيج

(١) الخازن.
(٢) الفتوحات.
(٣) العكبري.


الصفحة التالية
Icon