روى البخاري عن البراء بن عازب قال: آخر آية نزلت ﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة﴾ وآخر سورة نزلت براءة. ثم اختلف (١) العلماء في ابتداء هذه السورة بها، فقال ابن حجر من الشافعية: بالحرمة. وقال الرملي: بالكراهة. وفي الأثناء: يكره عند الأول ويجوز عند الثاني، ومذهب مالك كذلك. وقد أشار إلى ذلك صاحب "الشاطبية" بقوله:

وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأَتَ بَرَاءَةً لَتَنْزِيْلِهَا بِالسِّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
وَلاَ بُدَّ مِنْهِا فِيْ ابتِدَائِكَ سُوْرَةً سِوَاْهَا وَفِيْ الأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلاَ
ومما ورد في فضلها: ما أخرجه أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في "الشعب" عن أبي عطية الهمداني قال: كتب عمر بن الخطاب: تعلَّموا سورة براءة، وعلِّموا نسائكم سورة النور.
ومنه ما رُوي: أنَّ رسول الله - ﷺ - قال: "ما نزل عليَّ القرآن إلا آية آيةً، إلا سورة براءة وسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾، فإنَّهما نزلتا ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة".
الناسخ والمنسوخ فيها: قال الشيخ أبو عبد الله محمَّد بن حزم رحمه الله تعالى: سورة التوبة مدنية، وهي من أواخر ما نزل من القرآن، فيها سبع آيات منسوخات:
أولاهنَّ: قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ الآية (١ - ٣) التوبة، نسخت بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ (٥) التوبة.
الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ الآية (٣٤) التوبة، نسخت بالزكاة الواجبة.
الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ الآية (٣٩)، نسخت بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ (١٢٢).
(١) الصاوي.


الصفحة التالية
Icon