﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾؛ أي: فدوموا لهم على عهدهم ولا تقاتلوهم، قيل: هم بنو بكر، وقيل: بنو كنانة وبنو ضمرة، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية، ولم يكن نقض العهد أحدٌ إلا قريش وبنو الدِّيل من بني بكر، فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض العهد، وهم بنو ضمرة، وهذا القول هو الصواب وإنما (١) كان صوابًا؛ لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد، وذلك قبل فتح مكة؛ لأن بعد الفتح كيف يقول لشيءٍ قد مضى: فما استقاموا لكم.. فاستقيموا لهم، وإنما هم الذين قال الله عَزَّ وَجَلَّ فيهم: ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ كما نقصكم قريشٌ ولم يظاهروا عليكم أحدًا، كما ظاهرت قريش بني بكر على خزاعة وهم حلفاء رسول الله - ﷺ -، وجملة قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ الذين يوفون بالعهد إذا عاهدوا، ويتقون نقضه، تعليلٌ للأمر بالاستقامة المذكور قبله
٨ - والاستفهام في قوله: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾: تعجبيٍّ إنكاري أيضًا كرره للتأكيد؛ والتقدير: كيف يكون لهم عهدٌ عند الله، وعند رسوله، والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم؛ أي: إن يظفروا بكم ويغلبوكم ويعلوا عليكم ﴿لَا يَرْقُبُوا﴾؛ أي: لا يحفظوا ولا يراعوا ﴿فِيكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿إِلًّا﴾ أي: قرابة ورحمًا، وقرىء ﴿إيلًا﴾ بوزن ريح ﴿وَلَا﴾ يراعون فيكم ﴿ذِمَّةً﴾؛ أي: عهدًا؛ أي: لا يتركونكم لأجل القرابة التي بينكم وبينهم ولا للعهد الذي عاهدوه لكم.
والمعنى (٢): كيف لا تقتلونهم وهم إن يغلبوكم لا يحفظوا في شأنكم قرابةً ولا ضمانًا، بل يؤذونكم ما استطاعوا، وقوله: ﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ كلام مستأنف لبيان حالهم عند عدم الظفر، فهو مقابل في المعنى لقوله: ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ...﴾ الخ. أي: يقولون بألسنتهم كلاما حلوًا طيبًا من الوعد بالإيمان والوفاء بالعهد، مجاملةً لكم وتطيبًا لقلوبكم ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾؛ أي: تمتنع قلوبهم ذلك الذي يقولونه بألسنتهم من الإيمان والوفاء بالعهد؛ أي تخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم كما يفعله أهل النفاق وذو الوجهين، فإنهم لا يضمرون لكم

(١) الخازن.
(٢) المراح.


الصفحة التالية
Icon