حيث قال: فيكم، والثاني: على العموم، حيث قال: في مؤمن، كما أشرنا إليه في الحل آنفًا؛ أي: ومن أجل هذا الكفر الذي رسخ فيهم لا يرعون في مؤمن يقدرون على الفتك به قرابةً تقتضي الود، ولا ذمةً توجب الوفاء بالعهد، ولا ربًّا يحرم الخيانة والغدر، فذنب المؤمن عندهم أنه لا ينقض عهدًا ولا يستحل غدرًا ولا يقطع رحمًا ﴿وَأُولَئِكَ﴾ المشركون الناقضون للعهد ﴿هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾؛ أي: المجاوزون للحلال إلى الحرام أو البالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى، والعلة في هذا رسوخهم في الشرك وكراهتهم للإيمان وأهله، فلا علاج لهم إلا الرجوع عن الكفر، والاعتصام بالإيمان، والتمسك بفضائل الأخلاق، وما يقتضيه الإيمان من صالح الأعمال.
١١ - ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾؛ أي: فإن رجع هؤلاء المشركون، الذين أمرتكم بقتالهم عن شركهم بالله تعالى، إلى الإيمان به وبرسوله، وأنابوا إليه وأطاعوه ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾؛ أي: أدوها بشروطها وأركانها ﴿وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ المفروضة، كرر (١) هذا الشرط؛ لاختلاف جزائه مع جزاء الأول، إذ جزاء الشرط في الأول تخلية سبيلهم في الدنيا، وفي الثاني أخوَّتهم لنا في الدين، وهي ليست عين تخليتهم، بل سبيلها ﴿فـ﴾ هم ﴿إخوانكم في الدين﴾ الذي أمركم به، لَهُمْ مَا لَكُمْ، وعليهم ما عليكم، وبهذه الأخوة يزول كل ما كان بينكم من إحن وعداوات، ولا تعارف أجمل من التعارف في المساجد؛ لإقامة الصلوات، وأداء الصدقات، بمواساة الغني للفقير، وهذه المزية الدنيوية كانوا محرومين منها، إذ كان بعضهم حربًا لبعض إلا ما كان من عهد أو جوار.
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾؛ أي: وإنا نبين حجج آياتنا وأدلة أحكامنا، ونوضحها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: لقوم يفهمون ما نبين لهم بعد أن نشرحها مفصلة فيفقهونها، دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته، وهذه (٢) الجملة اعتراضية، للحث على تأمل ما فصل من أحكام المعاهدين، أو خصال
(٢) البيضاوي.