والمعنى: أي وإن نكث (١) هؤلاء ما أبرمته أيمانهم من الوفاء بالعهد الذي عقدوه معكم، وعابوا دينكم، واستهزؤوا به، وصدوا الناس عنه، ومن ذلك الطعن في القرآن، وفي النبي - ﷺ -، كما كان يفعل شعراؤهم، الذين أهدر النبي - ﷺ -، دماءهم.. فقاتلوهم، فهم أئمة الكفر، وحملة لوائه، المقدمون على غيرهم بزعمهم، فهم الأجدر بالقتل والقتال ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾؛ أي: إن عهودهم لا قيمة لها، فهي مخادعة لسانية، لا يقصد الوفاء بها، كما قال سبحانه: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ فما أسرع ما تنقض إذا وجدت الفرصة سانحة.
﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾؛ أي: قاتلوهم رجاء أن ينتهوا بقتالكم إياهم عن الكفر ونكث الإيمان ونقض العهود، والعودة إلى قتالكم كلما قدروا عليه.
وفي ذلك (٢) إيماء: إلى أن القتال لا يكون اتباعًا لهوى النفس، أو إرادة منافع الدنيا، من السلب والنهب وإرادة الانتقام، وهذه مزيّة الإِسلام إذ جعل الحرب ضرورةً لإرادة منع الباطل وتقرير الحق.
وقرأ الحرميان (٣) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو: ﴿أيمة الكفر﴾ بإبدال الهمزة الثانية ياءً، وروي عن نافع مد الهمزة وقرأ باقي السبعة وابن أبي أريس عن نافع بهمزتين وأدخل هشام بينهما ألفًا، وأصله: أأممة، بوزن أفعلة، جمع إمام أدغموا الميم في الميم، فنقلت حركتها إلى الهمزة قبلها، وقرأ الجمهور: ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ بفتح الهمزة، وقرأ الحسن وعطاء وزيد بن علي وابن عامر: ﴿لا إيمان لهم﴾ بكسر الهمزة؛ أي: لا إسلام وتصديق لهم ولا يعطون الأمان بعد النكث والطعن، ولا سبيل إليه، وبقراءة الفتح استشهد أبو حنيفة على أن يمين الكافر لا يكون يمينًا، وعند الشافعي يمينهم يمين، وقال: معناه: أنهم لا يوفون بها.

(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon