الناس، ولم يختر على رضا الله رضا غيره، وإنما قلنا في باب الدين؛ لأن الخشية عن المحاذير جبلية، لا يكاد الرجل العاقل يتمالك عنها.
والمعنى: أن (١) المستحقين لعمارة المساجد هم الجامعون بين الإيمان بالله على الوجه الذي بينه في كتابه - من توحيده، وتخصيصه بالعبادة، والتوكل عليه، والإيمان باليوم الآخر الذي يحاسب الله فيه عباده، ويجزي فيه كل نفس بما كسبت - مع إقامة الصلاة المفروضة على الوجه الجامع بين أركانها وآدابها، وتدبر تلاوتها وأذكارها، وبذا تكسب من يقيمها مراقبة ربه وخشيته والخشوع إليه، ومع إعطاء زكاة الأموال لمستحقيها من الفقراء والمساكين، ومع خشية الله دون غيره، مما لا ينفع ولا يضر، كالأصنام وغيرها مما عبد من دون الله تعالى، خوفًا من ضرره أو رجاءً لنفعه.
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾؛ أي: فيرجوا أولئك الموصوفون بالصفات الأربعة أن يكونوا من المهتدين؛ أي: من الذين سبقت لهم الهداية في علمه؛ أي: فأولئك الذين يجمعون بين الأركان الهامة من أركان الإِسلام، هم الذين يرجون أن يكونوا من المهتدين إلى ما يحب الله ويرضيه من عمارة المساجد حسًّا ومعنًى، بحسب سننه تعالى في أعمال البشر وتأثيرها في نفوسهم، وبذا يستحقون عليها الجزاء في جنان النعيم، لا أولئك المشركون الذين يجمعون بين أضدادها من الإيمان بالطاغوت والشرك بالله والكفر بما جاء به رسوله، وينفقون أموالهم للصد عن سبيل الله، ومنع الناس من الإِسلام، وقيل: (عسى) في كلام الله للوجوب والتحقق، والمعنى حينئذٍ: فحقيقٌ واجبٌ كون أولئك الموصوفين بالصفات السابقة من المهتدين.
وفي ذلك (٢) قطعٌ أطماع المشركين أن يكونوا مهتدين، إذ من جمع هذه الخصال الأربعة.. جعل حاله حال من ترجى له الهداية، فكيف بمن هو عار

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon