المكرمين، ولا سيما على الإيمان الكامل، الباعث على هجر الوطن ومفارقة الأهل والسكن، وعلى إنفاق المال الذي هو أحب شيء إلى النفس، وعلى بذل النفس، التي هي أعز شيء على الإنسان.
فما أجدرهم أن يبشرهم بأنواع من الأجر والجزاء، ما بين روحي وجسماني:
فالأول: الرحمة والرضوان، والرضوان: هو نهاية الإحسان، وهو أعلى النعيم، وأكمل الجزاء، ما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ وما رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: ربنا، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا".
والثاني: هو النعيم المقيم في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا.
٢٣ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ﴾؛ أي: أقاربكم؛ أي: لا تجعلوا آباءكم وإخوانكم ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ وأصدقاء وبطانةً لأنفسكم، تفشون إليهم أسراركم ﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ﴾؛ أي: إن أحب الآباء والإخوان الكفر واختاروه ﴿عَلَى الْإِيمَانِ﴾ بالله ورسوله، وأقاموا عليه وتركوا الإيمان.
والمعنى (١): أي لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء، تنصرونهم في القتال، وتظاهرون لأجلهم الكفار، أو تطلعونهم على أسرار المؤمنين، وما يستعدون به لقتال المشركين، إن أصروا على الكفر وآثروه على الإيمان، فإن في ذلك قوةً

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon