فصدقوه وأحبوه، وعلا شأنه فيهم، ثم إنه عهد إلى أربعة رجال، اسم واحد منهم: نسطور، والآخر يعقوب، والثالث ملكان، والرابع، من أهل الروم، فعلَّم نسطورًا أن عيسى ومريم والله آلهة ثلاثة، وعلم يعقوب أن عيسى ليس بإنسان، وأنه ابن الله، وعلم ملكان أن عيسى هو الله لم يزل ولا يزال عيسى، وعلم رجلًا آخر من الروم اللاهوت والناسوت، وقال: ما كان عيسى إنسانًا ولا جسمًا ولكنه الله، ثم دعا كل واحد منهم في الخلوة، وقال له: أنت خليفتي فادع الناس لما علمتك، وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد، ولقد رأيت عيسى في المنام ورضي عني وأني غدًا أذبح نفسي لمرضاة ربي ثم دخل المذبح فذبح نفسه، فتفرقوا ودعوا الناس إلى مذاهبهم، واختلفوا، ووقع القتال بينهم، فكان ذلك سبب قولهم: المسيح ابن الله ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور الذي قالوه في عزير وفي المسيح ﴿قَوْلُهُمْ﴾؛ أي: قول صادر واقع من غير فائدة ولا برهان، يقولونه ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ وتلوكه ألسنتهم مجرد عن المعنى، خال عن الفائدة، لا يؤيده برهان، ولا يتجاوز حركة اللسان، بل البرهان دال على عكسه، لاستحالة إثبات الولد لمن هو برىءٌ عن الحاجة، واتخاذ الصاحبة.
ووجه (١) تقييده بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا من الفم: أن هذا القول لما كان ساذجًا ليس فيه بيان، ولا عضده برهان، كان مجرد دعوى لا معنى تحتها، فارغة صادرة عنهم صدور المهملات، التي ليس فيها إلا كونها خارجةً من الأفواه، غير مفيدة لفائدة يعتد بها، وقيل: إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد، كما في كتبت بيدي، ومشيت برجلي، ومنه قوله تعالى: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ وقوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ وقال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه، لم يذكر قولًا مقرونًا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولًا زورًا، كقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ وقوله: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ وأشباه ذلك.

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon