والحال أنهم ما أمروا على لسان موسى وعيسى، ومن اتبعهما فيما جاء به من عند الله إلا أن يعبدوا ويطيعوا في الدين إلهًا واحدًا، بما شرعه لهم، وهو ربهم ورب كل شيء ومليكه، ثم علل الأمر بعبادة إله واحد فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ وهذه الجملة صفة لـ ﴿إِلَهًا﴾؛ أي: لا معبود بحق في الوجود غيره تعالى في حكم الشرع ولا في نظر العقل، وإنما اتخذ المشركون آلهة من دونه بالرأي والهوى، جهلًا بصفات الألوهية، إذ ظنوا أن لبعض المخلوقات سلطانًا غيبيًّا، وقدرة على الضر والنفع، من غير طريق الأسباب المسخرة للخلق مثل ما لله، إما بالذات، وإما بالوساطة والشفاعة لديه.
﴿سُبْحَانَهُ﴾؛ أي: تنزَّه وتمجَّد اللَّه له تعالى ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾؛ أي: عن شركهم في ألوهيته بدعاء غيره معه أو من دونه، وفي ربوبيته بطاعة الرؤساء في التشريع الديني بدون إذنه.
٣٢ - ﴿يُرِيدُونَ﴾؛ أي: يريد رؤساء اليهود والنصارى ﴿أَنْ يُطْفِئُوا﴾ ويخمدوا ﴿نُورَ اللَّهِ﴾؛ أي: دين الله الذي هو دين الإسلام ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾؛ أي: بتكذيبهم وألسنتهم يعني (١) يريد هؤلاء إبطال دين الله الذي جاء به محمد - ﷺ -، بتكذيبهم إياه، وقيل المراد من النور: الدلائل الدالة على صحة نبوته - ﷺ -، وهي أمور:
أحدها: المعجزات الباهرات الخارقة للعادة التي ظهرت على يد النبي - ﷺ -، الدالة على صدقه.
وثانيها: القرآن العظيم الذي نزل عليه من عند الله فهو معجزة له باقية على الأبد دالة على صدقه.
وثالثها: أن دينه الذي أمر به، وهو دين الإسلام، ليس فيه شيء سوى تعظيم الله، والثناء عليه، والانقياد لأمره، ونهيه واتباع طاعته، والأمر بعبادته والتبري من كل معبود سواه، فهذه أمور نيرة، ودلائل واضحة، في صحة نبوة محمد - ﷺ -، فمن أراد إبطال ذلك بكذب وتزوير.. فقد خاب سعيه وبطل عمله.

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon