عنكم، فانطلق وتبعه ثوبان، فأتى النبي - ﷺ -، فقال: يا نبي الله، إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث عن أموال تبقى بعدكم"، فكبر عمر رضي الله عنه ثم قال له النبي - ﷺ -: "ألا أخبرك بخير ما يكنز؟ المرأة الصالحة، التي إذا نظر إليها الرجل.. سرته، وإذا أمرها.. أطاعته، وإذا غاب عنها.. حفظته"، وإنما خص الذهب والفضة بالذكر دون سائر الأموال؛ لكونهما أثمن الأشياء، وغالب ما يكنز، وإن كان غيرهما له حكمهما في تحريم الكنز، وقرأ الجمهور: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ﴾ بالواو على الاستئناف، وهو عام يندرج فيه من يكنز من المسلمين، وقرأ ابن مصرف: ﴿الَّذِين﴾ بغير واو، وهو ظاهر في كونه من أوصاف من تقدم، ويحتمل الاستئناف والعموم، واختلفوا (١) في المراد بهؤلاء الذين ذمهم بسبب كنز الذهب والفضة، فقيل: هم أهل الكتاب، قاله معاوية بن أبي سفيان؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى وصفهم بالحرص الشديد على أخذ أموال الناس بالباطل، ثم وصفهم بالبخل الشديد، وهو جمع المال، ومنع إخراج الحقوق الواجبة منه. وقال ابن عباس والسدي: نزلت في مانعي الزكاة من المسلمين، وذلك أنه سبحانه وتعالى لما ذكر قبح طريقة الأحبار والرهبان في الحرص على أخذ الأموال بالباطل.. حذر المسلمين من ذلك، وذكر وعيد من جمع المال ومنع حقوق الله منه.
وقال أبو ذر: نزلت في أهل الكتاب وفي المسلمين. ووجه هذا القول: أن الله سبحانه وتعالى وصف أهل الكتاب بالحرص على أخذ أموال الناس بالباطل، ثم ذكر بعده وعيد من جمع المال، ومنع الحقوق الواجبة فيه، سواء كان من أهل الكتاب أو من المسلمين.
أخرج البخاري عن زيد بن وهب، قال: مررت بالربذة - موضع بين مكة والمدينة - فإذا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: كنت في الشام

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon