بقدره من غير الأشهر الحرم، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر، فيستحلون المحرم ويحرمون صفر، فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر.. أخروه إلى ربيع الأول، فكانوا يصنعون هكذا، يؤخرون شهرًا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها، وكانوا يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذا باقي شهور السنة، فوافقت حجة أبي بكر في السنة التاسعة قبل حجة الوداع المرة الثانية من ذي القعدة، ثم حج رسول الله - ﷺ -، في العام المقبل حجة الوداع، فوافق حجة شهر ذي الحجة، وهو شهر الحج المشروع، فوقف بعرفة في اليوم التاسع وخطب الناس في اليوم العاشر بمنى، وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان، وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه حساب الأشهر يوم خلق السموات والأرض فيما روى الشيخان وغيرهما عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس ذا الحجة؟ " قلنا: بلى، قال: "أي بلد هذا؟ "، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس البلد الحرام؟ " قلنا: بلى، قال: "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النحر؟ "، قلنا: بلى، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه"، ثم قال: "ألا هل بلغت، ألا هل بلغت"، قلنا: نعم، قال: "اللهم اشهد".
وقرأ الجمهور (١): ﴿النَّسِيءُ﴾، مهموزًا على وزن فعيل، وقرأ الزهري وحميد

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon