﴿إنَّ اللهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَعَنَا﴾ بنصره ومعونته وحفظه وتأييده، فلن يطلع المشركون علينا، ولن يصلوا إلينا، والمراد بالمعية الولاية الدائمة، التي لا يحوم حول صاحبها شيء من الحزن، اهـ "كرخي".
وكان (١) الصديق قد حزن على رسول الله - ﷺ -، لا على نفسه فقال له: يا رسول الله، إذا من أنا.. فأنا رجل واحد، وإذا مت أنت.. هلكت الأمة والدين.
روي: أن قريشًا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله - ﷺ -، فأمره الله تعالى أن يخرج أول الليل إلى الغار، فخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر - ﷺ - عليًّا أن يضطجع على فراشه، ليمنع السواد من طلبه، حتى يبلغ إلى ما أمر الله به، فلما وصل إلى الغار.. دخل أبو بكر فيه أولًا يلتمس ما فيه، فقال له النبي - ﷺ -: "ما لك؟ " فقال: بأبي أنت وأمي الغار مأوى السباع والهوام، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، وكان في الغار جحر فوضع عقبه عليه؛ لئلا يخرج ما يؤذي الرسول، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا.. بكى أبو بكر خوفًا على رسول الله - ﷺ -، فقال - ﷺ -: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ بنصره فجعل يمسح الدموع عن خده، وروي لما دخلا الغار.. بعث الله تعالى حمامتين، فباضتا في أسفله والعنكبوت نسجت عليه، فقال - ﷺ -: "اللهم أعم أبصارهم"، فجعلوا يترددون حول الغار، ولا يرون أحدًا، وقصة خروجه - ﷺ - من مكة إلى المدينة، هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث، فراجعها، إن أردت تمامها.
روى البخاري ومسلم من حديث أنس، قال: حدثني أبو بكر قال: كنت مع النبي - ﷺ -، في الغار، فرأيت آثار المشركين، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه.. لأبصرنا تحت قدميه، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما"، وقال (٢) أبو بكر رضي الله عنه شعرًا من بحر البسيط:

قَالَ النَّبِيُّ وَلَمْ يَجْزَعْ يُوَقِّرُنِي وَنَحْنُ فِيْ سَدَفٍ مِنْ ظُلْمَةِ الْغَارِ
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon