وقع منه الإذن في القعود لمن استأذنه قبل أن يتبين له من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه ومن هو كاذب فيه، والعتاب: هو لوم الحبيب حبييه على أمر غير لائق به؛ أي: لأي سببٍ، ولأي شيء أذنت لهم في القعود والتخلف كما أرادوا، وهلا تأنيت في الإذن لهم وتوقفت عنه ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ﴾؛ أي: حتى ينجلي وينكشف لك ﴿الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في اعتذارهم بعدم الاستطاعة من جهة المال، أو من جهة البدن ﴿وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيما يعتذرون به؛ أي: حتى يتبين لك الفريقان فتعامل كلًّا بما ينبغي أن يعامل به، فإن الكاذبين لا يخرجون أذنت لهم أو لم تأذن، فكان من الأجدر بك والأولى لك، أن تتلبث أو تمسك عنه اختبارًا.
والمعنى: عفا الله عنك يا محمَّد، ما كان منك من إذنك لهؤلاء المنافقين، الذين استأذنوك في ترك الخروج معك إلى تبوك.
روي عن مجاهد في قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ هم ناس قالوا: استأذنوا رسول الله، فإن أذن لكم، فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم، فاقعدوا. وقال ابن عباس، لم يكن رسول الله - ﷺ - يعرف المنافقين يومئذٍ، حتى نزلت سورة براءة، قيل (١): إنما فعل رسول الله - ﷺ - شيئين لم يؤمر بهما: أخذه للفداء - ﷺ - وإذنه للمنافقين، فعاتبه الله عليهما، وفي ذكر العفو عنه - ﷺ - ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه لرسوله - ﷺ -.
فإن قلت: هذا العتاب المذكور هنا، يعارض ما رخص له - ﷺ - في سورة النور، بقوله: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾؟
قلت: يمكن الجمع بين الآيتين، بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات، حتى يتبين الصادق من الكاذب، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات، والله أعلم.