لأنهم لم يريدوه، وإنما أرادوا بالاستئذان ستر ما عزموا عليه من المخالفة والعصيان.
﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا﴾ أي: قال لهم الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة: تخلفوا مع المتخلفين، وقيل: قاله بعضهم لبعض، وقيل: قاله لهم رسول الله - ﷺ - غضبًا عليهم، وقيل: هو عبارة عن الخذلان، أي: أوقع الله في قلوبهم القعود، خذلانًا لهم، ومعنى ﴿مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾؛ أي: مع أولى الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان، وفيه من الذم لهم والإزراء عليهم والتنقيص بهم ما لا يخفى.
أي: وقال لهم الرسول - ﷺ - بعبارة تدل على السخط لا على الرضا: اقعدوا مع الأطفال والزمنى والعجزة والنساء، وهم قد حملوه على ظاهر لموافقته لما يريدون.
وها هنا يتوجه سؤال، وهو أن خروج المنافقين مع رسول الله - ﷺ - إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة، فإن كان فيه مصلحة.. فلم قال: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ﴾ وإن كان فيه مفسدةٌ، فلم عاتب نبيه - ﷺ - في إذنه لهم في القعود؟
الجواب عن هذا السؤال: أن خروجهم مع رسول الله - ﷺ - كان فيه مفسدة عظيمة بدليل أنه تعالى أخبره بتلك المفسدة بقوله: ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا﴾ بقي أن يقال: فلم عاتب الله ورسوله - ﷺ - بقوله: ﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾؟ فنقول: إنَّه - ﷺ - أذن لهم قبل تمام الفحص وإكمال التأمل والتدبير في حالهم، فلهذا السبب قال تعالى: ﴿لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ وقيل: إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه في أمرهم بالقعود، اهـ "خازن".
وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية ﴿عُده﴾ بضم العين من غير تاء، قال صاحب "اللوامح": لما أضاف.. جعل الكناية نائبةً عن التاء، فأسقطها، وقال أبو حاتم: هو جمع عدةٍ كبرةٍ وبرٍّ ودرةٍ ودرٍ، وقرأ زر بن حبيش


الصفحة التالية
Icon