﴿و﴾ قال لهم: ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَكُم﴾؛ أي: حافظكم من مضرتهم وناصركم عليهم، ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ﴾ والتقى الجمعان - جمع المسلمين وجمع الكافرين - بحيث ترى كل فئة الأخرى، أي: فلمَّا قرب كل من الفريقين المتقاتلين من الآخر، وصار بحيث يراه ويعرف حاله، وقبل أن تصطلي نار القتال معه، ورأى إبليس نزول الملائكة من السماء.. ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾؛ أي: رجع إبليس إلى خلفه هاربا: أي: رجع القهقرى وتولى إلى الوراء، وهي الجهة التي فيها: العقبان، والمراد: أنَّه كفَّ عن تزيينه لهم وتغريره بهم، وكان إبليس في صف المشركين، وهو آخذٌ بيد الحارث بن هشام ﴿و﴾ قال له الحارث: إلى أين تترك نصرتنا يا سراقة في هذه الحالة، أما تزعم أنك جار لنا، وجعل الحارث يمسكه. ﴿قال﴾ إبليس: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ﴾؛ أي: إني بريء من جواركم وحفظكم ونصركم والذب عنكم، ﴿إِنِّي أَرَى﴾؛ أي: لأني أبصر ﴿مَا لَا تَرَوْنَ﴾؛ أي: ما لا تبصرون من نزول الملائكة مع جبريل، وإني أرى جبريل بين يدي النبي - ﷺ -، وفي يده اللجام يقود الفرس، ولم تروه، ودفع إبليس في صدر الحارث وانطلق وقال: ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ﴾ أن يهلكني بتسليط الملائكة عليَّ، وانهزم المشركون. فلمَّا قدموا مكة.. قالوا: هزم الناسَ سراقةُ، فبلغ ذلك سراقة، فقال: بلغني أنكم تقولون: إني هزمت الناس، فوالله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، فقالوا: أما أتيتنا في يوم كذا وكذا، فحلف لهم، فلما أسلوا.. علموا أنَّ ذلك كان شيطانًا. وقيل: لما رأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء.. خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر، فقال ما قال؛ إشفاقًا على نفسه ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن عاداه وعادى أولياءه، قاله الشيطان بسطًا لعذره حينئذٍ، فهو تعليل لما قبله؛ أي ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ﴾؛ لأنه شديد العقاب، أو مستأنف من محض كلامه تعالى؛ تهديدًا لإبليس وجنده.
وقال قتادة (١): قال إبليس: ﴿إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾، وصدق. وقال: ﴿إنِّي أَخَافُ اللَّهَ﴾ وكذب، ما به مخافة الله. ولكن إنه لا قوة له ولا منعة، فأوردهم

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon