الحق، حتى جاء الحق والنصر الإلهي الذي وعده لك ربك ﴿وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ أي: ظهر دين الله وعلا شرعه وغلب دينه بظهور الأسباب التي تقوي شرع محمَّد - ﷺ -، كالتنكيل باليهود الغادرين الناكثين للعهود، والنصر على المشركين بفتح مكة، ودخول الناس في الإِسلام أفواجًا ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم كارهون لمجيء هذا الحق وظهور أمر الله، ولكن كان ذلك على رغم أنف منهم.
وفي الآيتين (١) تسليةٌ لرسوله - ﷺ - والمؤمنين على تخلف المنافقين، وبيان ما ثبطهم الله تعالى، لأجله، وكره انبعاثهم له، وهتك أستارهم، وكشف أسرارهم، وإزاحة اعتذارهم، تداركًا لما فوت الرسول - ﷺ - بالمبادرة إلى الإذن، ولذلك عوتب عليه.
٤٩ - ﴿وَمِنْهُمْ﴾؛ أي: ومن هؤلاء المنافقين ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ لك يا محمَّد ﴿ائْذَنْ لِي﴾ في القعود في المدينة ﴿وَلَا تَفْتِنِّي﴾؛ أي: ولا توقعني في الفتنة؛ أي: في العصيان والمخالفة، بأن لا تأذن لي فإنك إن منعتني من القعود، وقعدت بغير إذنك.. وقعت في الإثم، وقيل معناه: لا توقعني في الهلكة بالخروج، وقيل معناه أي: ومن المنافقين ناسٌ يستأذنوك في التخلف عن القتال، حتى لا يفتنوا بنساء الروم، روى ابن أي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - ﷺ -، يقول: لجد بن قيس: يا جد، هل لك في جلاد بني الأصفر؛ أي: في جهاد ملوك الروم، قال الجد: يا رسول الله، قد علمت الأنصار أني مغرم بالنساء، فلا تفتني ببنات بني الأصفر، وإني أخشى إن رأيتهن.. أن لا أصبر عنهم، ولكني أعينك بمالي، فقال رسول الله - ﷺ -، وهو معرضٌ عنه: "قد أذنت لك" فنزلت الآية، كما سبق في مبحث الأسباب، وبنو الأصفر هم أولاد الأصفر بن روم بن عيصو بن إسحاق، أو لأن جيشًا من الحبشة غلب عليهم، فوطىء نساءهم فولد لهم أولادٌ صفر، اهـ "قاموس".

(١) الخازن م.


الصفحة التالية
Icon