والاثنان: طائفة، وهما وديعة بن جذام وجدُّ بن قيس، فالذي عفى عنه جهير بن حمير؛ لأنه كان ضحك معهم، ولم يستهزىء معهم، فلما نزلت هذه الآية، تاب من نفاقه، وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آية، تقشعر منها الجلود، وتخفق منها القلوب، اللهم اجعل وفاتي قتلًا في سبيلك، لا يقول أحد: أنا غسلت، أنا كفنت، أنا دفنت، فأصيب يوم اليمامة فلم يعرف أحد من المسلمين مصرعه.
وقرأ زيد بن ثابت (١) وأبو عبد الرحمن وزيد بن علي وعاصم من السبعة: ﴿إِنْ نَعْفُ﴾ بالنون ﴿نعذب﴾ بالنون ﴿طائفة﴾ بالنصب، ولقيني شيخنا الأديب الكامل أبو الحكم، مالك بن المرحل المالقي بغرناطة، فسألني: قراءة من تقرأ اليوم على الشيخ أبي جعفر بن الطباع؟ فقلت: قراءة عاصم، فأنشدني:

لِعاصِمٍ قِرَاءَةٌ لِغَيْرِهَا مُخَالِفَهْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَهْ
وقرأ باقي السبعة ﴿إن تُعفَ عن طائفة تعذب طائفة﴾ مبنيًّا للمفعول، وقرأ الجحدري: ﴿إن يَعف﴾ ﴿يُعذب﴾ مبنيًّا للفاعل فيهما؛ أي: إن يعف الله، وقرأ مجاهد ﴿إن تعف﴾ بالتاء مبنيًّا للمفعول ﴿تعذب﴾ مبنيًّا للمفعول بالتاء أيضًا، قال ابن عطية: على تقدير إن تعف هذه الذنوب. وقال الزمخشري: الوجه التذكير؛ لأن المسند إليه الظرف، كما تقول سير بالدابة، ولا تقول: سيرت بالدابة، ولكنه ذهب إلى المعنى كأنه قيل: إن ترحم طائفة، فأنث لذلك، وهو غريب، والجيد قراءة العامة: ﴿إن يعف عن طائفة﴾ بالتذكير و ﴿تعذب طائفة﴾ بالتأنيث. انتهى.
٦٧ - ﴿الْمُنَافِقُونَ﴾ قيل (٢) كانوا ثلاث مئة ﴿وَالْمُنَافِقَاتُ﴾ وكنَّ مئة وسبعين ﴿بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾؛ أي: متشابهون في صفة النفاق والأفعال الخبيثة؛ أي: أنَّ (٣) أهل النفاق رجالًا ونساءً يتشابهون في صفاتهم وأخلاقهم وأعمالهم، كما قال تعالى في آل إبراهيم وآل عمران: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾. وقال الشاعر:
تِلْكَ العَصَا مِنْ هَذِه العُصَيَّهْ هَلْ تَلِدُ الحَيَّةُ إلَّا حَيَّهْ
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon