فأخبره الله تعالى بما دبروه، فلما وصل إلى العقبة التي بين تبوك والمدينة.. نادى مناديه بأمره، أن رسول الله - ﷺ - يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد غيره، واسلكوا يا معشر الجيش بطن الوادي، فإن أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي وسلك النبي - ﷺ - العقبة، وكان ذلك في ليلة مظلمة، فجاء المنافقون وتلثموا وسلكوا العقبة، وكان النبي - ﷺ -، قد أمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام ناقته ويقودها، وأمر حذيفة أن يسوقها من خلفها، فبينما النبي - ﷺ - يسير في العقبة.. إذ زحمه المنافقون، فنفرت ناقته حتى سقط بعض متاعه، فصرخ بهم، فولوا مدبرين وعلموا أنه اطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين إلى بطن الوادي، واختلطوا بالناس، فصار حذيفة يضرب الناقة، فقال له النبي - ﷺ -: "هل عرفت أحد منهم؟ " قال: لا فإنهم كانوا متلثمين، والليلة مظلمة، قال: "هل علمت مرادها؟ "، قال: لا، قال النبي - ﷺ -: "إنهم مكروا، وأرادوا أن يسيروا معي في العقبة، فيزحمونني عنها، وإنّ الله أخبرني بهم وبمكرهم" فلما أصبح.. جمعهم، وأخبرهم بما مكروا به، فحلفوا بالله ما قالوا بتكذيب النبي - ﷺ - ونسبته إلى التصنع في ادعاء الرسالة، ولا أرادوا فتكه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قالوا: أولا تأمرنا بهم يا رسول الله، إذًا فنضرب أعناقهم؟ قال: "أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمدًا قد وضع يده في أصحابه "فسماهم لهما، وقال: "اكتماهم".
والصحيح (١) في عددهم: ما رواه مسلم أن رسول الله - ﷺ - قال: "في أمتي اثنا عشر منافقًا، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحا، حتى يلج الجمل في سم الخياط. ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة - خراج ودمل كبير يظهر في الجوف، يقتل صاحبه كثيرًا - سراجٌ من النار يظهر في أكتافهم، حتى ينجم من صدورهم؛ أي: كأنه سراج من النار.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon