فصل فيما يتعلق بعصمة الأنبياء
قد استدل بهذه الآية من يقدح في عصمة الأنبياء، وبيانه من وجوه:
الأول: أنَّ قوله: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ صريح في النهي عن أخذ الأسارى، وقد وجد ذلك يوم بدر.
الوجه الثاني: أنَّ الله سبحانه وتعالى أمر النبيَّ - ﷺ - وقومه بقتل المشركين يوم بدر، فلمَّا لم يقتلوهم، بل أسروهم.. دلَّ ذلك على صدور الذنب منهم.
الوجه الثالث: أنَّ النبي - ﷺ - حكم بأخذ الفداء، وهو محرمٌ، وذلك ذنب.
الوجه الرابع: أنَّ النبي - ﷺ - وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء، وخوف العذاب، وقرب نزوله.
والجواب عن الوجه الأول: أنَّ قوله سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾.. يدل على أنَّه كان الأسر مشروعًا، ولكن بشرط الإثخان في الأرض، وقد حصل؛ لأنَّ الصحابة رضى الله تعالى عنهم قتلوا يوم بدر سبعين رجلًا من عظماء المشركين وصناديدهم، وأسروا سبعين، وليس من الإثخان في الأرض قتل جميع الناس، فدلَّت الآية على جواز الأسر بعد الإثخان، وقد حصل.
والجواب عن الوجه الثاني: أنَّ الأمر بالقتل إنما كان مختصًا بالصحابة، لإجماع المسلمين أن النبي - ﷺ - لم يؤمر بمباشرة قتال الكفار بنفسه، وإذا ثبت أنَّ الأمر بالقتل كان مختصًا بالصحابة.. كان الذنب صادرًا منهم، لا من النبي - ﷺ -.
والجواب عن الوجة الثالث: - وهو أنَّ النبي - ﷺ - حكم بأخذ الفداء وهو محرَّم - فنقول: لا نسلم أن أخذ الفداء كان محرَّمًا، وأما قوله سبحانه وتعالى: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾.. فهو عتاب لطيف على أخذ الفداء من الأسارى والمبادرة إليه، ولا يدل على تحريم الفداء؛ إذ لو كان حرامًا في علم الله تعالى.. لمنعهم من أخذه مطلقًا.