ووقوع ما أنذرهم به، ومن إنباء الله بما في قلوبهم، وفضيحتهم بما يكتمون من أعمالهم.
ثم هم مع كل هذا تمر عليهم الأعوام بعد الأعوام، ولا يتوبون من نفاقهم، ولا يتعظون بما يحل بهم من العذاب، أفبعد هذا برهان على قلة الاستعداد للإيمان، وانطفاء نور الفطرة؛ ولله در القائل:
قَدْ تُنْكِرُ العينُ ضوءَ الشمسِ منْ رمدِ | وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سقمِ |
١٢٧ - وبعد أن بين حال تأثير إنزال السورة في المنافقين، وهم غائبون عن مجلس الرسول - ﷺ - بين حالهم وهم في مجلسه، - ﷺ -، حين نزولها واستماع تلاوته لها، فقال: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ فيها بيان حالهم، وكانوا حاضرين مجلس نزولها ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أي: تغامزوا بالعيون، يدبرون الهرب ليتخلصوا عن تأذي سماعها، يقولون بطريق الإشارة: ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ من المسلمين إن قمتم من المجلس، ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ جميعًا عن مجلس نزول الوحي؛ خوفًا من الافتضاح أو غير ذلك. والمعنى؛ أي: وإذا أنزلت سورة وهم في المجلس، تسارقوا النظر وتغامزوا بالعيون على حين تخشع أبصار المؤمنين، وتنحني رؤوسهم، وتشاوروا في الانسلال. من المجلس، خفية لئلا يفتضحوا بما يظهر عليهم من سخرية وإنكار قائلًا بعضهم لبعض: ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾؛ أي: هل يراكم الرسول، - ﷺ -، أو المؤمنون إذ قمتم من المجلس، ثم انصرفوا جميعًا عن مجلس نزول الوحي، متسللين لواذًا، كراهة منهم لسماعه، وانتظارًا لسنوح
(١) البحر المحيط.