ذاك أن منته على قومه أعظم وحجته بكتابه أنهض، وأولى قومه به قبيلته قريش ثم عشيرته الأقربين، بنو هاشم وبنو المطلب، ولو لم يؤمن به وبكتابه العرب لما آمن العجم، وقد وجه دعوة إلى الأقرب فالأقرب، فآمن العرب بدعوته مباشرة، وآمن العجم بدعوة العرب، والعرب آمنوا بفهم القرآن وبيانه، - ﷺ - له، بالتبليغ والعمل، وبما شاهدوا من آيات الله في شخصه، وقد امتن عليه (١) وعلى قومه بالقرآن المجيد فقال: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾؛ أي: وإنه لشرف لك ولهم، تُذْكَرُون به في العالم، ويدون لكم في بطون الكتب والدفاتر وإنما قاومه أكابر قومه أنفةً واستكبارًا عن اتباعه، إذ هم يرونه دونهم، إلَّا أنَّ في اتباعه إقرارًا بكفرهم وكفر أبائهم الذين يفاخرون بهم، إلا أنهم لم يكونوا على ثقة من فوزه ونيلهم باتِّباعه مجد الدنيا وسعادة الآخرة. ﴿عَزِيزٌ﴾؛ أي: شاق شديد، ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على هذا الرسول الكريم، ﴿مَا عَنِتُّمْ﴾؛ أي: ما أثمتم وأذنبتم فهو يخاف عليكم الوقوع في العذاب، لكونه من جنسكم ومبعوثًا لهدايتكم، والعنت التعب لهم، والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه، أو بعذاب الآخرة في النار أو بمجموعهما. والظاهر (٢)، أن ما مصدرية، في موضع الفاعل بعزيز، أي: يعز عليه عنتكم ومشقتكم، كما قال الشاعر:
يَسُرُّ الْمَرْءَ مَا ذَهَبَ اللَّيَالي | وَكَانَ ذَهَابُهُنَّ لَهُ ذَهَابَا |
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾؛ أي: حريص على اهتدائكم وصلاح شأنكم، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: شديد الحرص والرغبة في اهتدائكم، وإيصال الخيرات إليكم في الدنيا والآخرة، أو حريصٌ
(٢) البحر المحيط.