وخلاصة ذلك: أنه كلام مزخرف حسن الظاهر، لكنه واضح البطلان في الحقيقة. وقد كذبوا في تسميته سحرًا؛ لأن السحر ما يكون بأسباب خفية يتعلمها بعض الناس من بعض، إما بالحيل والشعوذة، وإما باستخدام خواص طبيعية علمية مجهولة للجماهير، وإما بتأثير قوى النفس وتوجيه الإرادة وجميعها من الأمور التي يشترك فيها الكثير من العارفين بها، والقرآن ليس بسحر يؤثر بالعلم والصناعة، بل هو أقوال مشتملة على آداب عالية، وتشريع حكيم فيه مصلحة للناس، ولم يكن ليقدر على شيء من مثله، وبهذا ثبت أنه نبي من عند الله تعالى، وأن ما جاء به وحي من لدنه تعالى.
قال ابن عطية (١): وقولهم في الإنذار والبشارة سحر، إنما هو بسبب أنه: فرق كلمتهم وحال بين القريب وقريبه. فأشبه ذلك ما يفعله الساحر، وظنوه من ذلك الباب. وقال الزمخشري: وهذا دليل عجزهم واعترافهم به، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرًا وقرأ (٢) الجمهور، وأبو عمرو وابن عامر ونافع: ﴿لسحر﴾ إشارة إلى الوحي أو القرآن. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش وابن محيصن وابن مسعود وأبو رزين ومسروق وابن جبير ومجاهد وابن وثاب وطلحة وابن كثير وعيسى بن عمرو، بخلاف عنهما ﴿لساحر﴾ إشارة إلى الرسول، - ﷺ -، وفي مصحف أبيّ ﴿ما هذا إلا سحر﴾. وقرأ الأعمش أيضًا ﴿ما هذا إلا ساحر﴾.
وحاصل المعنى على القراءة الثانية أعني القراءة على صيغة اسم الفاعل؛ أي (٣): إن الكافرين لما جاءهم رسول منهم فأنذرهم وبشرهم، قالوا متعجبين: إن هذا الذي يدعي أنه رسول وهو محمَّد، - ﷺ -، ساحر ظاهر. وعلى القراءة الأولى، أعني؛ قراءة المصدر؛ أي: إن هذا القرآن لكذب ظاهر ووصف الكفار القرآن بكونه سحرًا، يدل على عظم القرآن عندهم من حيث تعذر المعارضة عليهم

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon