عبادته، وشكره، وبذلك تصلح أنفسهم، وتطهر قلوبهم، وتستنير أفئدتهم، لتتم لهم بذلك الحياة السعيدة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، كما لا يستنكر أن هذا الوحي منه عَزَّ وَجَلَّ، إذ هو من كمال تقديره وتدبيره، ولا يقدر عليه سواه. وترك العاطف في قوله: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ لأن جملته كالتفسير والتفصيل لما قبلها. وقيل: هي في محل نصب على الحال من ضمير استوى، كما أشرنا إليه في الحل. وقيل: مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها، لتقع على الوجه المقبول، واشتقاقه من الدبر كما سيأتي في مبحث التصريف إن شاء الله تعالى. وقال مجاهد معناه: يقضيه ويقدره وحده. وقيل: يبعث الأمر. وقيل: ينزل الأمر. وقيل: يأمر به ويمضيه، والمعنى متقارب، والأمر: الشأن، وهو أحوال ملكوت السموات والأرض والعرش وسائر الخلق. وقال أبو السعود: والمراد بالأمر: ملكوت السموات والأرض والعرش، وغير ذلك من الجزئيات الحادثة، شيئًا فشيئًا على أطوار شتى لا تكاد تحصى، اهـ.
قال الزجاج (١): إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية، كانوا يقولون: إن الأصنام شفعاؤنا عند الله.
فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه بشيء إلا بعد إذنه؛ لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب فقال: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ أي، لا يوجد (٢) شفيع يشفع لأحد عنده تعالى إلا من بعد إذنه، والآية بمعنى، قوله سبحانه؛ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾. وقد جاء في كتابه تعالى، أنه لا يشفع أحد عنده بإذنه إلا من ارتضاه للشفاعة كما قال ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ ومن أذن له بالشفاعة لا يشفع إلا لمن رضي له الرحمن، لإيمانه وصالح عمله كما قال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾. وفي هذا إيماء لدحض العقيدة التي كان يعتقدها مشركو العرب، ومقلدوهم من أهل الكتاب من أن الأصنام والأوثان وعباده المقربين من الملائكة والبشر، يشفعون
(٢) المراغي.