ثم ذكر سبحانه بعض المنافع المتعلقة بهذا التقدير فقال: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ﴾؛ أي: قدر هذه المنازل لتعلموا بها، أيها العباد، عدد السنين والأعوام وقت دخولها وانقضائها ﴿و﴾ لتعلموا ﴿الحساب﴾ أي: حساب الشهور والأيام والساعات، ونقصانها وزيادتها، فيمكنكم ترتيب مهمات المعاش، من الزراعة والحراثة، ومهمات الشتاء والصيف.
فإن (١) في العلم بعدد السنين من المصالح الدينية؛ والدنيوية ما لا يحصى، وفي العلم بحساب الأشهر والأيام والليالي من ذلك ما لا يخفى، ولولا هذا التقدير الذي قدره الله سبحانه.. لم يعلم الناس بذلك، ولا عرفوا ما يتعلق به كثير من مصالحهم، والسنة تتحصل من اثني عشر شهرًا، والشهر يتحصل من ثلاثين يومًا، إن كان كاملًا، واليوم يتحصل من ساعات معلومة هي: أربع وعشرون ساعة للَّيل والنهار، وقد يكون لكل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة في أيام الاستواء، ويزيد أحدهما على الآخر في أيام الزيادة والنقصان، والاختلاف بين السنة الشمسية والقمرية معروف.
والمعنى: قدره منازل لتعلموا بتلك المنازل حساب الأوقات، من الأشهر والأيام، لضبط عباداتكم ومعاملاتكم المالية والمدنية، ولولا هذا النظام المشاهد.. لتعذر العلم بذلك على الأميين، من أهل البدو والحضر، إذ حساب السنين والشهور الشمسية لا يعلم إلا بالدراسة، ومن ثم جعل الشارع الحكيم الصوم والحج وعدة الطلاق بالحساب القمري، الذي يعرفه كل أحد بالمشاهدة، ولعبادتي الصوم والحج حكمة أخرى وهي: دورانهما في جميع فصول السنة، فيعبد المسلمون ربهم في جميع الأوقات من حارة وباردة وطويلة وقصير ومعتدلة.
﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ﴾ المذكور من جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا وتقديره: منازل ﴿إِلَّا﴾ خلقًا ملابسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾ والصواب والحكمة البالغة ومطابقة المصلحة في أمور المعاملات، والعبادات، ولم يخلق ذلك باطلًا ولا عبثًا؛ أي: ما خلق