الله الشمس (١) ذات ضياء تفيض أشعتها على كواكبها التابعة لها، فتنبعث الحرارة في جميع الأحياء، وبها يبصر الناس جميع المبصرات، ويقومون بأمور معايشهم وسائر شؤونهم، وما خلق الله القمر ذا نور مستمد من الشمس، تنتفع به السيارة في سيرهم، وقدره منازل يعرف بها الناس السنين والشهور، ما خلق ذلك إلا خلقًا مقترنًا بالحق، الذي تقتضيه الحكمة والمنفعة لحياة الخلق ونظام معايشهم، فلا عبث فيه ولا خلل. فكيف يعقل بعد هذا أن يخلق هذا الإنسان ويعلمه البيان، ويعطيه من كمال الاستعداد ما لم يعط غيره، ثم يتركه بعد ذلك سدًى يموت ويفنى ولا يعاد ويبعث لتجزى كل نفس بما كسبت، فيُجزى المتقون بصالح أعمالهم، والمشركون والظالمون المجرمون بكفرهم وجرائمهم؟ كما قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)﴾. ﴿يُفَصِّلُ﴾ الله سبحانه وتعالى ويبين ﴿الْآيَاتِ﴾؛ أي: دلائل قدرته ووحدانيته على لسان رسوله ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الحكمة في إبداع الكائنات، فيستدلون بذلك على شؤون مبدعها، من الوحدانية وكمال القدرة والعلم؛ أي: يبين الدلائل من حكم الخلق على رسوله، - ﷺ -، مفصلة منوعة، من كونية وعقلية، لقوم يعلمون دلالة الأدلة، ويميزون بين الحق والباطل، باستعمال عقولهم في فهم تلك الآيات، فيجزمون بأن من خلق النيرين على هذا النظام البديع لا يمكن أن يخلق الإنسان سدًى.
وخص من يعلم بتفصيل الآيات لهم؛ لأنهم الذين ينتفعون بتفصيل الآيات، ويتدبرون بها في الاستدلال والنظر الصحيح. وقرأ قنبل (٢) ﴿ضئاء﴾ هنا وفي الأنبياء والقصص، بهمزة قبل الألف، بدل الياء. وقرأ ابن مصرف: ﴿وَالْحِسَابَ﴾ بفتح الحاء، ورواه أبو توبة: عن العرب. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص: ﴿يفصل﴾ بالياء جريًا على لفظة الله، وباقي السبعة بالنون على سبيل الالتفات، والإخبار بنون العظمة.
٦ - ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾؛ أي: في تعاقبهما، أو في تفاوتهما بازدياد

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon