الذي لا نطيق سواه، ولا نقدر على غيره، وما أغناك عنه وأحوجنا إليه ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.
وهذه الآية (١)، بيان أن الإنسان قليل الصبر عند نزول البلاء، قليل الشكر عند وجدان النعماء، فإذا مسه الضر أقبل على التضرع والدعاء، مضطجعًا أو قاعدًا أو قائمًا مجتهدًا في ذلك الدعاء، طالبًا من الله تعالى إزالة تلك المحنة وتبديلها بالمنحة، فإذا كشف الله تعالى عنه بالعافية، أعرض عن الشكر ولم يتذكر ذلك الضر، ولم يعرف قدر الإنعام، وصار بمنزلة من لم يدع الله تعالى لكشف ضره، فالواجب على العاقل أن يكون صابرًا عند نزول البلاء، شاكرًا عند الفوز بالنعماء، وأن يكون كثير الدعاء والتضرع في أوقات الراحة والرفاهية، حتى يكون مجاب الدعوة في وقت المحنة. وعن رسول الله، - ﷺ -، أنه قال: "من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء عند الرخاء".
والإشارة (٢) بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مر غير مرة؛ أي: مثل ذلك التزيين العجيب الذي حصل لمن مسه الضر ﴿زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: زين لهم عملهم الخبيث، والمسرف في اللغة هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس، وشرعًا من باع دينه بدنياه واستبدلها عن آخرته. والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريق التحلية وعدم اللطف بهم، أو من طريق الشيطان بالوسوسة أو من طريق النفس الأمارة بالسوء. والمعنى: أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء، والغفلة عن الشكر والاشتغال بالشهوات.
وعبارة الجلال ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: كما زين له الدعاء عند الضر، والإعراض عند الرخاء ﴿زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾؛ أي: للمشركين ﴿مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: كما زين لهذا الإنسان الدعاء عند الضر والإعراض عند الرخاء، زين للمسرفين المتجاوزين الحد في الإجرام والإشراك، ما كانوا يعملون من الإعراض عن الشكر والإيمان

(١) المراح.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon