هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ الآية، ثم ذكر قوله: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ وذلك على سبيل التعنت.. أخبر أن هؤلاء إنما يصيرون لهذه المقالات عند ما يكونون في رخاء من العيش وخلو بال، وأن إحسان الله تعالى قابلوه بما لا يجوز من ابتغاء المكر لآياته، وكان خليقًا بهم أن يكونوا أول من صدق بآياته، وإعراضهم عن الآيات نظير قوله: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر...﴾ الآية، مناسبة (١) هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أن الناس إذا أصابهم الضر.. لجؤوا إلى الله، فإذا أذاقهم الرحمة عادوا إلى عادتهم، من إهمال جانب الله تعالى، والمكر في آياته، وكان قبل ذلك قد ذكر نحوًا من هذا في قوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ...﴾ الآية، وكان المذكور في الآيتين أمرًا كليًّا أوضح تعالى ذلك الأمر الكلي بمثال جلي كاشف عن حقيقة ذلك المعنى الكلي، ينقطع فيه رجاء الإنسان عن كل متعلق به، إلا الله تعالى، فيخلص له الدعاء وحده في كشف هذه النازلة التي لا يكشفها إلا هو تعالى، ويتبين بطلان عبادته ما لا يضر ولا ينفع ودعواه أنه شفيعه عند الله، ثم بعد كشف هذه النازلة عاد إلى عادته من بغيه في الأرض، فإنجاؤه تعالى إياهم، هو مثال من أذاقه الرحمة، وما كانوا فيه قبل من إشرافهم على الهلاك، هو مثال من الضر الذي مسهم.
وعبارة المراغي: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) أن القوم طلبوا من الرسول - ﷺ - آية أخرى سوى القرآن، وذكر جوابًا عن هذا، بأنه لا يملك ذلك؛ لأن هذا من الغيب الذي استأثر بعلمه.. أردف ذلك بجواب آخر، وهو أن أولئك المشركين لا يقنعون بالآيات إذا رأوها بأعينهم، بل يكابرون حسهم، ولا يؤمنون؛ إذ من عاداتهم اللجاج والعناد، فكثيرًا ما جاءتهم
(٢) المراغي.