للأبدان، المفسدة للأخلاق، وإما ظلم الحكام، الذي يفسد بأس الأمة ويهن من قوتها.
﴿ثُمَّ﴾ بعد إهلاك تلك القرون التي تسمعون أخبارها وتنظرون آثارها ﴿جَعَلْنَاكُمْ﴾ أيتها الأمة المحمدية ﴿خَلَائِفَ﴾ يخلفون عن تلك الأمم ﴿في﴾ سكنى الأرض، وإحيائها ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾، أي: من بعد تلك القرون الماضية ﴿لِنَنْظُر﴾ أي: لكي ننظر ونعلم ﴿كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: عمل تعملونه من خير أو شر، فنجازيكم بحسبه. والمعنى (١): استخلفناكم في الأرض بعد القرون المهلكة، لننظر أتعملون خيرًا أم شرًّا، فنعاملكم على حسب عملكم. ومعنى: لننظر، أي: لنظهر في الوجود ما علمناه أزلًا، أو ليظهر متعلق علمنا، فالنظر مجاز عن هذا، وقيل: الكلام على حذف مضاف، أي: لينظر رسلنا وأولياؤنا، وأسند النظر إلى الله مجازًا، وهو لغيره. وقرأ يحيى بن الحارث الزماري: ﴿لنظر﴾ بنون واحدة وتشديد الظاء، وقال: هكذا رأيته في مصحف عثمان. ووجهها أن (٢) النون الثانية قلبت ظاء وأدغمت في الظاء. والاستفهام في كيف لطلب تعيين أحد الأمرين؛ لأن المعنى، لنعلم جواب كيف تعملون؛ أي: أي عمل تعملونه أخير أم شر، وهي معمولة لتعملون، والجملة في موضع نصب لننظر؛ لأنها معلقة، وجاز التعليق في نظر إن لم يكن من أفعال القلوب؛ لأنها وصلة فعل القلب الذي هو العلم. ومعنى الآية: ثم (٣) جعلناكم خلائف في الأرض، من بعد أولئك الأقوام، بما آتيناكم في هذا الدين، من أسباب الملك والحكم، إذ في شريعتكم، ما به سعادة الأمة في دينها ودنياها.
وفي الآية: بشارة لهذه الأمة، بأنها ستخلفهم في الأرض، إذا آمنت به واتبعت النور الذي أنزل معه، كما قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وقد صدق الله وعده، فملكهم ملك الأكاسرة، والقياسرة، والفراعنة، وكثير من الأمم غيرها {لِنَنْظُرَ
(٢) العكبري.
(٣) المراغي.