التغاير بين المطلوبين، ذكره أبو حيان.
وحاصل المعنى (١): وإذا تتلى على هؤلاء المشركين آيات الكتاب الذي أئزل إليك، حال كونها بارزات في أعلى أسلوب من البيان، دالَّات على الحق، ساطعات الحجة والبرهان، قالوا: لمن يتلوها عليهم - وهو الرسول - ﷺ - ائت بقرآن غير هذا، أو بدله؛ أي: ائت بكتاب آخر نقرؤه، ليس فيه ما لا نؤمن به، من البعث والجزاء على الأعمال، ولا ما نكرهه من ذم آلهتنا، والوعيد على عبادتها، أو بدله بأن تجعل بدل الآية المشتملة على الوعيد، آية أخرى، ولم يكن مقصدهم من هذا إلا أن يختبروا حاله، بمطالبته بالإتيان بقرآن غيره، في جملة ما بلغهم من سوره في أسلوبها، ونظمها، أو بالتصرف فيه، بالتغيير والتبديل لما يكرهونه، منه من تحقير آلهتهم وتكفير آبائهم حتى إذا فعل هذا أو ذاك، كانت دعواه أنه كلام الله، أوحاه إليه دعوى باطلة، لا يعول عليها، وكان قصارى أمره، أنه امتاز عنهم بنوع من البيان خفيت علهيم أسباب معرفته، ولم يكن بوحي من الله كما يزعمه. فأمره الله تعالى أن يقول لهم في جوابهم ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمَّد ﴿مَا يَكُونُ لِي﴾؛ أي: ما ينبغي لي ولا يحل لي ﴿أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾؛ أي: من قبل نفسي. وقرىء ﴿تلقاء﴾ بفتح التاء؛ أي: قل لهم، أيها الرسول: إنه ليس من شأني، ولا مما تجيزه لي رسالتي، أن أبدله من تلقاء نفسي، ومحض رأيي، وخالص اجتهادي.
فنفى عن نفسه أحد القسمين، وهو التبديل؛ لأنه الذي يمكنه، لو كان ذلك جائزًا، بخلاف القسم الآخر، وهو الإتيان بقرآن آخر، فإن ذلك ليس في وسعه، ولا يقدر عليه. وقيل: إنه - ﷺ - نفى عن نفسه أسهل القسمين، ليكون دليلًا على نفي أصعبهما بالطريق الأولى.
وهذا منه (٢) - ﷺ -، من باب مجاراة السفهاء، إذ لا يصدر مثل هذا الاقتراح عن العقلاء، بعد أن أمره الله سبحانه بذلك، وهو أعلم بمصالح عباده، وبما

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon