عليهم عبادة الأصنام، وبين أنها لا تنفع من عبدها، ولا تضر من لم يعبدها فقال: ﴿وَيَعْبُدُونَ﴾؛ أي: ويعبد هؤلاء المشركون ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي متجاوزين الله سبحانه وتعالى إلى عبادة غيره، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية؛ أي: ويعبدون معه تعالى ﴿مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾؛ أي: ما ليس من شأنه الضرر، ولا النفع، ومن حق المعبود أن يكون مثيبًا لمن أطاعه، معاقبًا لمن عصاه. والواو لعطف هذه الجملة على جملة قوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾؛ أي: ويعبدون ما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا من الأصنام وغيرها. حال كونهم متجاوزين ما يجب من عبادته تعالى وحده، فهم يعبدونه ويعبدون معه غيره كما قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦)﴾ ونفي التفسير والنفع هنا، باعتبار ذواتهم، وإثباتهما في قوله تعالى: ﴿يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ﴾ باعتبار السبب، فلا يرد كيف نفى عن الأصنام هنا التفسير والنفع، وأثبتهما لها في الحج، اهـ "كرخي".
وفي الآية: إيماء إلى أن سبب عبادتها وضلالهم فيما يدعون، هو اعتقادهم فيها القدرة على الضر والنفع، فرد عليهم خطأهم بأنه هو القادر على نفع من يعبده، وضر من يشرك بعبادته غيره، في الدنيا والآخرة. وقد دل تاريخ البشر في كل طور من أطواره، على أن كل ما عبده البشر من دون الله تعالى، من صنم أو وثن، فإنما عبده لاعتقاده فيه القدرة على النفع والضر، بسلطان له فوق الأسباب المعروفة، كعبادته للأوثان المتخذة من الحجارة، أو الخشب والأصنام المصنوعة من المعادن والحجارة، أو غير المصنوعة، كاللات، وهي صخرة كانت بالطائف يلت عليها السويق، عظمت حتى عبدت، أو الأشجار، كالعزى، معبودة قريش.
وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ﴾ في حقها وشأنها، معطوف على ﴿وَيَعْبُدُونَ﴾؛ أي: ويقول هؤلاء المشركون في سبب عبادتهم لها، مع اعتقادهم أنها لا تملك الضر، ولا النفع بأنفسها إيمانهم: بأن الرب الخالق، هو الله تعالى و ﴿هَؤُلَاءِ﴾ الأصنام ﴿شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى فإنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الدنيا، في إصلاح معايشهم، وكشف ما يهمهم، كالقحط؛ لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثًا بعد


الصفحة التالية
Icon