ثم اختلفوا في الكتاب أيضًا بغيًا بينهم، واتباعًا لأهوائهم، وقيل المعنى: وما كان الناس إلا على دين واحد، هو دين الإِسلام في عهد آدم عليه السلام، إلى أن قتل قابيل هابيل ثم اختلفوا. قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإِسلام، ثم وقع الاختلاف وعبدت الأصنام والأوثان، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين.
﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ﴾ حق ﴿سَبَقَتْ﴾ من الله تعالى وقضاء وقع ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ أزلًا بتأخير الجزاء العام إلى يوم القيامة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾، أي: لعجل لهم الجزاء في الدنيا، بالقضاء بينهم ﴿فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾؛ أي: في الدين الذي يختلفون بسببه، ففي سببية بإهلاك المبطلين، وتعجيل العقوبة للمكذبين، وكان ذلك فصلًا بينهم. وعبر بالمضارع عن الماضي حكايةً للحال الماضية. وفي الآية (١) وعيد شديد على اختلاف الناس المؤدي إلى العدوان، والشقاق، ولا سيما الاختلاف في الكتاب الذي أنزل لإزالة الشقاق. وقرأ (٢) عيسى بن عمر: ﴿لقضى﴾ بالبناء للفاعل. وقرأ من عداه: بالبناء للمفعول.
٢٠ - ﴿وَيَقُولُونَ﴾ معطوف على ﴿وَيَعْبُدُونَ﴾؛ أي: وقال أهل مكة: مرة بعد مرة وكرة بعد كرة. وعبر بالمضارع لاستحضار صورة ما قالوه؛ أي: وقالوا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ﴾؛ أي: هلا أنزل على محمَّد - ﷺ - ﴿آيَةٌ﴾ أخرى كونية، سوى القرآن ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ دالة على صدق ما يقول، كما كان لصالح، من الناقة، ولموسى، من العصا. والقائلون (٣) ذلك هم أهل مكة، كأنهم لم يعتدوا بما قد نزل على رسول الله، - ﷺ -، من الآيات الباهرة، والمعجزات القاهرة، التي لو لم يكن منها إلا القرآن، لكفى به دليلًا بينًا، ومصدقًا قاطعًا؛ أي: هلا أنزلت عليه آية من الآيات، التي نقترحها عليه، ونطلبها منه، كإحياء الأموات وجعل الجبال ذهبًا وغير ذلك.

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon