أسرع مكرا وإن رسله يكتبون ما تمكرون}. وينبغي أن يحمل هذا على التفسير؛ لأنه مخالف لما أجمع عليه المسلمون، من سواد المصحف، والمحفوظ عن أبي القراءة والإقراء بسواد المصحف.
وعلينا (١) أن نعتقد بأن الملائكة، تكتب الأعمال كتابة غيبية، لم يكلفنا الله تعالى بمعرفة صفتها، وإنما كلفنا أن نؤمن بأن له نظامًا حكيمًا في إحصاء أعمالنا؛ لأجل أن نراقبه فيها، فنلتزم الحق والعدل والخير، ونجتنب أضدادها.
٢٢ - وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ كلام مستأنف، مسوق لبيان جناية أخرى لهم، مبنية على ما مر آنفًا، من اختلاف حالهم حسب اختلاف ما يعتريهم، من السراء والضراء، اهـ "أبو السعود"؛ أي: هو سبحانه وتعالى الإله الذي يسيركم، وينقلكم في نواحي البر وأرجائه مشاةً وركبانًا، وفي أمواج البحر بالسفن والبواخر، وفي الجو بالطائرات. وقيل: يحملكم في البر على ظهور الدواب، وفي البحر على الفلك، أي: إنه تعالى هو الذي وهبكم القدرة على السير في البر، وسخر لكم الإبل والدواب، وفي البحر بما سخر لكم من السفن التي تجري في البحر، والقطر التجارية، والسيارات، وفي الهواء بالطائرات التي تسير في الجو.
وقرأ (٢) زيد بن ثابت والحسن وأبو العالية وزيد بن علي وأبو جعفر وعبد الله بن جبير وأبو عبد الرحمن وشيبة بن عامر: ينشركم من النشر والبث. وقرأ الحسن أيضًا: ﴿ينشركم﴾ من الإنشار وهو الإحياء، وهي قراءة عبد الله. وقرأ بعض الشاميين: ﴿ينشركم﴾ بالتشديد، للتكثير من النشر، الذي هو مطاوعة الانتشار. وقرأ باقي السبعة والجمهور: ﴿يُسَيِّرُكُمْ﴾ من التسيير. قال أبو علي، هو تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية؛ لأن العرب تقول سرت الرجل وسيرته. ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾؛ أي: في السفن.

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon