جرت عليه عادة العرب، فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئًا أضافوه إلى الصدق، كما مر في أول هذه السورة، والمراد به هنا المنزل المحمود المختار.
﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾؛ أي: وأعطيناهم المستلذات من الرزق فيها وقد جاء وصفها في كتبهم، بأنها تفيض لبنًا وعسلًا، وفيها كثير من الغلات والثمرات والأنعام وصيد البر والبحر. ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا﴾ في أمر دينهم، وتشعبوا فيه شعبًا، بعد ما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة ﴿حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾؛ أي: لم يقع منهم الاختلاف في الدين إلا بعدما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها، وما اشتملت عليه من الإخبار بنبوة محمَّد - ﷺ -.
وقيل المعنى: إنهم لم يختلفوا حتى جاءهم العلم، وهو القرآن النازل على محمَّد، - ﷺ -، فاختلفوا في نعته وصفته، وآمن به من آمن منهم، وكفر به من كفر، فيكون المراد بالمختلفين على القول الأول: هم اليهود، بعد أن أنزلت عليهم التوراة، وعلموا بها، وعلى القول الثاني: هم اليهود المعاصرون لمحمد، - ﷺ -، وقيل (١) العلم، بمعنى: المعلوم، وهو محمَّد، - ﷺ -؛ لأن رسالته كانت معلومة عندهم، مكتوبة في التوراة، وكانوا يستفتحون به؛ أي: يستنصرون به في الحروب، يقولون: اللهم بحرمة النبي المبعوث في آخر الزمان، انصرنا فينصرون. فلما جاء قالوا: النبي الموعود به من ولد يعقوب، وهذا من ولد إسماعيل، فليس هو ذاك، فآمن به بعضهم، كعبد لله بن سلام وأصحابه. وقيل: العلم القرآن، كما مر، واختلافهم فيه قول بعضهم: هو من كلام محمَّد، وقول بعضهم: من كلام الله، وليس لنا إنما هو للعرب، وصدق به قوم فآمنوا؛ أي: فما اختلف بنو إسرائيل إلا بعد أن علموا بقراءة التوراة والوقوف على أحكامها، ذلك أنهم كانوا قبل أن يبعث محمَّد، - ﷺ -، مجمعين على نبوته والإقرار به وبمبعثه غير مختلفين فيه، بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبًا عنده، فلما جاءهم ما عرفوا كفر به بعض وآمن به آخرون.